القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة في صراع الأنساق الثقافية في رواية "تاج الخطيئة لـ "جميلة مرّاني". أ. شعلال عادل.

قراءة في صراع الأنساق الثقافية في رواية "تاج الخطيئة لـ "جميلة مرّاني".
أ. شعلال عادل. جامعة مولود معمري-تيزي وزو.

1-مقدّمة:

تنطلق هذه الدراسة ذات التوجّه الثّقافي من مسائلة خطاب رواية "تاج الخطيئة للكاتبة الجزائرية جميلة مرّاني، باعتبارها حدثا ثقافيا جماليا، فتسعى لقراءة ثقافية نافذة في جغرافيا النّص الرّوائي، لتتجاوز مادته المستمدّة من عالم اليتوبيا وحماسة الفنطازيا وتشويق الدراما ومثالية الأخلاق الإنسانية، والمتوسلة بكل جميل يذكي النّفس وينعش الذّاكرة ويجلب النّشوة ويستعطف الوجدان، لتمرّر في أمان أنساقا مضمرة مناقضة لظاهر خطابها، فتنفلت من الرّقيب الاجتماعي وتمارس تعميتها الثّقافية على متلقيها ومستهلكها بفضل جماليتها، لتمرّر وتثبّت وتقرّ بأشدّ الأفكار الإنسانية فتكا وبشاعة، والتي لا يزال دورها خفيّا وفعّالا في توجيه الإنسان فكرا، ذائقة وسلوكا، ذلك لأنّ الكاتب عموما يستمدّ مادته الفنّية من خلال التّفاعل الثّقافي في محيطه، فيعيد إنتاج ثقافة مجتمعه ويمتثل لسلطة هذه الثّقافة، بل ويبقي هيمنتها في نصّه الجمالي بوعي أو غير وعي.
واستنادا لكلّ ما سبق، وبالنّظر لخصوصية رواية "تاج الخطيئة" يحقّ لنا أن نتساءل:
كيف امتدّ تأثير الثّقافة إلى توجيه الكاتبة وبلورة خيالها وتشكيل عناصر روايتها؟، ثمّ ما هي الأنساق الثّقافية التّي ترسّبت في قاع "تاج الخطيئة" المناقضة لأنساقها الجمالية الظاهرة؟

2- الإطار النّظري للدّراسة:

كلّ نصّ فنّي جمالي من منظور النّقد الثّقافي يبطن غير ما يظهر، ومردّ كل ذلك إلى كاتبه الذي يمارس لعبة التماهي والتورية ليحشو نصّه أنساقا ثقافية تحت قناع الجمالية، فدور القراءة الثّقافية هو إعادة قراءة النّصوص الأدبية في ضوء سياقاتها التاريخية والثّقافية فـ(النّقد الثّقافي في أهم انشغالاته يهتم بالبحث داخل الخطاب عن الأنساق التي تتدخّل في توجيه الأفكار والسّلوك، ويحدّد ما تحويه الآثار الأدبية من حمولات فكرية) ، بحيث تتضمّن النّصوص في بناها أنساقا مضمرة ومختالة قادرة على المراوغة والتمنّع والتي تعرّف بـ(أقنعة تختبئ من تحتها الأنساق وتتوسّل بها لعمل عملها التّرويضي) ، وكذلك فلا يمكن الوصول إلى هذه الأنساق الكامنة في الأعماق وفهم فعاليتها المضمرة إلاّ بمسائلة الثّقافة التي بلورت النّص الرّوائي وشكّلت سياق الكتابة، فهي ( لا يمكن كشفها أو كشف دلالتها النّامية في المنجز الأدبي إلاّ بإنجاز تصوّر كلّي حول البنى الثّقافية لطبيعة المجتمع، وإدراك حقيقة هيمنة تلك الأنساق المؤسّسة على فكرة الإيديولوجيا ومفهوم المحتمل في صراع القوى الاجتماعية) .

3- ملخّص رواية تاج الخطيئة ل"جميلة مرّاني":

تدور أحداث الرّواية عن الملكة "شجرة الدّر" التي أعماها جشع الحفاظ على إرث عائلتها في مملكة "كازخستان" المسلمة، فأخطأت في تربية وإعداد أبنائها وتوجيههم، ولم تستدرك خطأها إلاّ بعد فوات الأوان: فبكرها الأمير "شهاب الدّين" الحاكم بعد أبيه حرمته من حنان الأمّ، وأرسلته لقبائل الجنوب ليتعلّم الفصاحة والفروسية، وهناك تعرّف على صديقه "جواد" السّكير العربيد، فاستقدمه لمملكته يلازمه في مجالسه المحفوفة بالمستشارين وعلى رأسهم الشّيخ "أحمد" الذي يشدّ من عزيمته ويوطّد عزّ سلطانه، ولم تكن الملكة راضية على سياسة الأمير "شهاب الدّين" في إثقال كاهل الرّعية بالضّرائب بحجة تمويل الجيش، وفي رحلات تحصيله لهذه الضّرائب، يجني "جواد" على المملكة بقتل ابني عجوز فقيرة: شرارة أثارت نقمة الشّعب وغضب السّلطان على الأمير شهاب الدّين الذي هرّب صديقه القاتل، لتسرع الملكة لإصلاح خطأ ابنها، فيشترط عليها السّلطان عزل بكرها عن الإمارة واستبداله بأخيه الأصغر "جلال الدّين"، دبّرت الملكة خطّة لإبعاد "شهاب الدّين" باستئجار جماعة من الحشّاشين الذين خطفوه، إلاّ أنّ الأمير فرّ من الجماعة وسقط في النّهر، فتكهنّوا بموته.
توّج "جلال الدّين" الغضّ، أميرا جديدا على المملكة، لترتكب الملكة الأمّ خطيئة أخرى بغضّ الطّرف عن الحكم الهشّ في سياسة ابنها الأمير الصّغير، خوفا من انقطاع ملك سلالتها، ولم تستطع نسيان خطيئتها الأولى في حقّ حياة الأمير"شهاب الدّين"، فكانت تعذّب نفسها بكثرة الصّلاة والدّعاء لابنها، وتطلب الصّفح من العجوز الثّكلى المظلومة تحت سلطة "شهاب الدّين" الذي يعيده القدر إلى واجهة الحياة من جديد، حين أنقذ أخاه "جلال الدّين" من القتل، ليكافئه هذا الأخير باتّخاذه حارسا شخصيا له، عاد "شهاب الدّين" إلى مملكته المسلوبة بهوّية رجل قروي، فتحدّثه نفسه من الانتقام من أمّه وأخيه واسترداد عرشه الضّائع، لتقع الملكة بين رحى تقاتل ابنيها، وتتدخّل في اللّحظة الحاسمة لإنقاذ "شهاب الدّين" من سهم غادر استأجره أخوه الأمير "شهاب الديّن" وتفديه بروحها، وفي الأخير يكتشف "شهاب الدّين بأنّ أمّه لم تخنه، فيحذو حذوها بالصّلاة وخدمة العجوز الثّكلى للتّكفير عن خطياها، وينسحب من المملكة زاهدا في الملك، تاركا العرش لأخيه.

4- صراع الأنساق الثّقافية في رواية "تاج الخطيئة" لجميلة مرّاني:

تسير بنا رواية "تاج الخطيئة" -على خيالها المحض- إلى محاكاة واقعية دواليب السّلطة السّياسة في تعاملها مع الرّعية، وتتّبع ما يتصارع في هذه كنف المؤسّسة السّلطوية ورجالها من أفكار سياسية، نفسية، دينية، اجتماعية، فلسفية متناقضة، في جدل أنساق مبنية على فعالية التّضاد بين الإعلان والإضمار، وإنّ تلازم هذان النسقان المتضادّان داخل النّص الثّقافي، فإنّهما يخلقان جدلية نسقية تتلخّص ماهيتها في (حركة تطويرية تتمّ نتيجة صراع بين متناقضات) ، كذلك فهي (تظهر نتيجة لعلاقات متغيّرة ومتحرّكة بين جميع الأشياء والمضامين التي تحمل بداخلها ضروبا من التّوترات والتناقضات) ، ومن صور جدلية الأنساق المضمرة التي يكشف عنها الحفر في جغرافية هذه الرّواية: نسق الحاكم والمحكوم، نسق الذكورة والأنوثة، والتّي تتفرّع لأنساق ثانوية تحت هذه الأنساق الكبرى، فإن كان (للنّسق الثّقافي مصادر وروافد عديدة، منها أنساق الأفكار والمعتقدات العديدة، ومنها أنساق الأفكار والمعتقدات، وأنساق الرّموز التّعبيرية، وأنساق التّوجيه وهذه الأنساق هي وحدات أو أنساق فرعية تحقّق وحدة النّسق الثّقافي الذي يعدّ بدوره أحد الأنساق العامة للفعل) :

4 نسق الحاكم والمحكوم:

للسّلطة ثقافتها، وللطّبقة الحاكمة أنساقها التّي تستمّر فعاليتها وسطوتها مضمرةً في أفعالها الثّقافية فـ(النّسق الثّقافي مجموعة من القيم المتوارية خلف النّصوص والخطابات والممارسات) ، وهو حسب "تالكوت بارسونز": (نظام يحتوي على أفراد فاعلين تتحدّد علاقاتهم بمواقفهم وأدوارهم التي تنبع من الرّموز المشتركة والمقرّرة ثقافيا في إطار هذا النّسق، وعلى نحو يغدو معه مفهوم النّسق أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي) ، فهو بذلك حمولة ثقافية تنطوي على المعاني والأفكار والعقائد وأنماط العلاقات الاجتماعية والتّطلعات والأفكار المؤثّرة الفاعلة التي تصوغ الهويّة الاجتماعية والقيم الجمعية للحواضر الإنسانية، ومن الأنساق الثّقافية الّأساس للطّبقة السّياسية الحاكمة:

أوّلا: النّسق الابهاري:


وصور هذا النّسق وتمظهراته كثيرة ومنها:
أ/ مظاهر الفخامة: وينّم عن تكبّر وترفّع عن الرّعيّة حتّى يضلّ جبروتها السّلطوي فعّالا، ولا يزال هذا النّسق ماثلا في نسق السّلطة التي دأبت على استعراض العضلات ومظاهر القوّة والسموّ في عروض الجيوش وفخامة القصور وعظمة المواكب، وهي صورة نمطية وآلية تطويع تواترت السّرديات عبر التّاريخ في تمثّلها، بداية من قصة سيّدنا سليمان الذي أراد أن يؤثّر على ملكة سبأ فيريها عظمة ملكه وقدرة جيشه من الجنّ على الإتيان بعرشها وتنكيره، فعرض عليها أن تدخل لقصره المهيب ذي الأرضية البلورية الشّفافة: (قيل لها ادخلي الصّرح فلمّا رأته حسبته لجّة وكشفت عن ساقيها، قال إنّه صرح ممرّد من قوارير، قالت ربّي إنّي ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان للّه ربّ العالمين) ، فكانت هذه حيلة لحمل الملكة على الاستسلام لعظمة هذا المُلك وجبروت هذا الملِك، وغدت هذه الحيل ماثلة في الثّقافة الجمعية، تتكرّر ممارستها في كلّ المجتمعات، وبما أنّ روايتنا "تاج الخطيئة" سياسية بامتياز، فقد تكّرر هذا النّسق الظاهر بإلحاح الذي يضمر تحت قناع (هيبة الدّولة) –بالمفهوم المعاصر- نسقَ التّطويع والإخضاع، وها نحن أمام مشهد روائي في "تاج الخطيئة"، يكرّر قصّة الملك سليمان وملكة سبأ وإن اختلف الزّمان والمكان فثقافة الإبهار واحدة: (دخلت الملكة الديوان الفاخر، كلّما اقتربت من العرش الملكي زادت ضربات قلبها بقوّة) ، فنلاحظ جليّا أنّ فخامة قصر السّلطان زاد من خوف الملكة "شجرة الدّر"، وعلى طول الرّواية لم يختف هذا النّسق الإبهاري، بداية من بهاء مجلس الأمير "شهاب الدين" المزيّن في مقام عليّ يرتفع عن العامة: (اعتلى شهاب الدين المنبر الخشبي فجلس متربّعا على الوسادة الحريرية) ، فلا يخفى علينا أنّ المنبر في الثّقافية الدينية الإسلامية، درجات ترتقي بصاحبها فتجعله الأعلى الموجّه المرشد، له سلطة الكلام والتقدير والتوجيه والأمر والنّهي، وعلى الغير واجب الخضوع والسّكوت وحسن السّماع للخطيب، هذا ما تبيّنه الرّواية من خلال العائلة الحاكمة، وفي غير موضع يذكر النّسق ألإبهاري للسّلطة في مجالس عظيمة يحفّها الوزراء والمستشارون المباركون والمؤيّدون لكلّ ما يقوله الحاكم، بحضور جمع غفير من الأتباع الخاضعين الذين يضافون إلى تأكيد سلطة الملك وعظمته: (أمام جمع عظيم من الناس، اعتلى الأمير "شهاب الدين" المنبر الخشبي فجلس متربعا على الوسادة الحريرية واضعا يديه على ركبتيه، أجال بصره بين الحشد الذي طأطأ رأسه احتراما وإجلالا للأمير الشاب) ، ومن أنساق الإبهار السلطوية أيضا: تجنيد العدّة والعتاد لتضخيم المناسبات المتعلّقة بحياة الحكّام التي تعتبر محطّات تاريخية للممالك ومصير الشّعوب: (كانت المدينة تتزيّن لعرس التتويج) ، (تحتاج الملكة لدفن لائق) .
ب/ الألقاب السّياسية والدينية: يتبنى نسق الحاكم الألقاب الرّفيعة كـ"صاحب الجلالة" و"الفخامة" و"السّعادة"، و"العاهل" وغيرها...، فها هو الأمير "جلال" الدّين لا يرضى أن يُذكر بغير لقب يعظّم من شأنه: (لا تعجبني طريقتك في مخاطبتي: أين هي كلمة مولاي؟) ، وتضمر هذه الألقاب والأسماء نسق التّعالي وتنزيه النّفس عن النّقص وتزكيتها عن الخطأ، وترفعُها إلى درجة التّقديس خاصة إذا ارتبطت بمقدّس ديني وجاءت مضافة إلى لفظ الجلالة "اللّه"، نضرا لما يلقى الدين من احترام وتعظيم في نفوس معتنقيه: (أنا الأمير جلال الدين بن معز الدين) .
ج/ الخطب البليغة: ومن تقاليد السّلطة وصور نسقها الابهاري الخطب السّياسية أيضا التي تتّخذ من جمالية بلاغة الحجة، ولحن فنون الكلام ذريعة لتغليط الرّأي العام، لذلك كان لها أن تحضّرّ الحكّام على إتقان المحاججة وأساليب الكلام، وهذا ما يؤكّده "شهاب الدين حين يقول: (حينما كنت في سن الخامسة أرسلتني أمي إلى قبائل الجنوب حتى أتتلمذ على يد شيوخها، فأحفظ القرآن والحديث، وأتعلم الخط العربي والفروسية والمبارزة) ، وما كان هذا التحضير إلاّ ليثمر دررا من الكلام المنمّق بفرائد العقول، والتي ترمي في نسقها المضمر للتّغطي على الفضائح وتهوين الأزمات، (فالخطاب البلاغي يخبّئ من تحته شيئا آخر غير الجمالية وليست الجمالية إلاّ أداة تسويق وتمرير لهذا المخبوء وتحت كلّ ما هو جمالي هناك شيء نسقي مضمر، يعمل الجمالي عمل التعمية الثّقافية لكي تضلّ الأنساق فاعلة ومؤثّرة ومستديمة من تحت قناع الجمالي) ، ومنها خطبة "شهاب الدين" في فرض ضرائب جديدة: (أيها المسلمون، جمعتكم اليوم والحال ما تعرفون، فاقة وشدّة وعدو متربص يتحين الفرصة لينتقض علينا، فمن يحمينا منه غير جيشنا الرابض في الغرب، جيشنا الذي يبذل الدّم والروح في سبيل هذه المملكة، فهل ندير له ظهورنا؟، هل نتخلى عنهم ونبخل بالمال والمدد؟) ، فهذه الخطبة الحماسية، تتسلّل إلى كوامن ضعف المتلقي لضمان استجابته وتفاعله عبر مخاطبة المشاعر الطبيعية في الإنسان (حب الوطن)، وتستثير في نفسيته عواطف الخوف من القادم، كما تحاجج ضميره تحت مسمّى المصلحة العليا للوطن، وهذا كلّه لتمرّر نسق الهيمنة عبر رفع الضّرائب بأمان، ف(مفهوم النّسق لا يتحدّد من وجوده المجرّد بل يتحدّد من خلال وظيفته) ، بل يمارس هيمنته عبر أفعال الإبهار ليثير دهشة المتلقي/المواطن وإقراره بالغلبة والاستسلام أمام سلطة الكلام وسحر الخطابة، فينقاد مستسلما لسحر هذا التأثير وجبروت هذه العظمة، وغير بعيد عن هذا السّياق خطبة شهاب الدين البليغة التي تسعى لتجاوز أزمة الجريمة الشنعاء التي ارتكبها صديقه المقرّب جواد: (فو لله ما أذنت له بالقتل ولا الإفساد، ولكنّه أقدم على ذلك دونما علم منّي، فلمّا علمت وقعت في أمرين أحلاهما مرّ، وما أنا بالجاهل فأجيز القتل، ولا أنا بالسّفيه فأبيح الفساد، ولكنّه أمر يوجب التّفكير والتّدبير، فإن سلّمته للأهالي حكموا عليه بغضبهم لا بعقولهم، لذلك آثرت التأنّي، حتّى لا تدخل المملكة في فوضى...) ، فخلف هذه الجماليات الأخلاقية والقيم الإنسانية المثلى، كالعدل والحق ومناشدة الحكمة والتّحضّر يختفي قبح الفعل (العفو عن القاتل)، بل جاءت الخطبة لتواري إجراء الظلم بدعوى تحقيق العدل في مفارقة عجيبة ومشهد إبهاري مختال يخفي أنساقا مضمرة أهمّها تنزيه الحاكم عن الظّلم وإخفاء المحاباة والمحسوبية تحت مسمّيات مستساغة، فـ(وراء الوعيّ بالرّغبات ينكشف اللاوعي والعماء، ووراء الاجتماع والتّبادل والرّوابط تختفي نوازع العدوان والتّسلّط، وخلف هذا التاريخ المديد من التّحضّر يطلّ سلفنا الأوّل بعريه وتوحّشه) ، ولطالما كانت البلاغة أقنعة جمالية تواري أنساقا ثقافية هدّامة تتنافي وقيم الحضارة.

ثانيا- النّسق الاستعلائي:

ومن هذه الأنساق التي كانت سببا في كثير من الحروب والمآسي الإنسانية نسق الاستعلاء على الآخر، فإنّ نسق التعالي في رواية تاج الخطيئة قد تمثّل عبر نسقين فرعيين:
أ/ نسق تنزيه الذّات: فالحاكم في نسقه الظّاهر في "تاج الخطيئة" قويّ عزيز مستغن بعظمته عن طلب الحاجة، فهو لا يحتاج وإنّما جيش الأمّة من يحتاج للعون والمدد: يقول الأمير شهاب الدّين: (جيشنا الذي يبذل الدّم والروح في سبيل هذه المملكة، فهل ندير له ظهورنا؟، هل نتخلى عنهم ونبخل بالمال والمدد؟) ، وهو نفس النّسق الذي يبدو في كلام الأمير جلال الدين حين أراد أن يتّخذ لنفسه حارسا ماهرا ليحميه من كيد الأعداء وخطرهم: (مكافأة لك على شجاعتك، وعملك البطولي... قررنا تعيينك حارسا شخصيا لنا) ، فهذا التعيين في نسقه الظّاهر تكرّم وتفضّل وردّ للجميل بدل أن يكون طلب حماية وحاجة أمان أوّلهما، إنّما يُخفي نسق التّعالي، يكمن في محاولة الحكّام أن يتمثّلوا أنفسهم في ثوب الكامل المنزّه عن الضّعف والخطأ: (الأخطاء من صنع العامة، لا يرتكب الملوك أخطاء فهم معصومون، لا تتذكّر أنّها اعتذرت من قبل) ، وخاصة في ظلّ تبني السّلطة السّياسية للخطاب الديني أو (الدين كلامية) كما أسمته الكاتبة في روايتها، فهذا الخطاب الديني الذي يحظى بسلطة التأثير على النّفوس المؤمنة يستثمره فقه آني معوجّ عبر فقهاء البلاط الذين يبسطون ولائهم للحاكم، فيطوّعون النّص التاريخي المقدّس، ليمنح لحكّام بعينهم سلطة تسيير الرّعية أو بالأحرى القطيع والقيام بشؤونه، يقول المستشار الشّيخ أحمد الذي يمثّل السّلطة الدينية في المملكة: (تعلم يا مولاي أنّني خادمك المطيع، ما كنت لأسعى في أمر إلاّ لخير أراه في مصلحتك ومصلحة المملكة) ، وخلف كلّ عبارات التملّق للحكام: (هناك مضمر نسقي يلعب لعبته الرّمزية حيث هو جبروت رمزي متحكّم وبه تتشكّل الدّلالة النّسقية) ، وتعدّ هذه القوّة الرّمزية والجبرية التي يكتسبها النّسق الثّقافي المضمر (الشّفرات الثّقافية، تلك القوانين المؤثّرة بشكل لا واع في صيرورة المجتمع ومنتجاته الثّقافية وغيرها) ، وهذا ما يكسب نسق الحاكم قداسة وتنزيها يكاد يُخرجه من دائرة البشرية ويرتقي به مراتب الألوهية، لينتج لنا حاكما دكتاتوريا، مستعليا بـ"أناه" وملغيا لحق الآخرين في إبداء رأي أو مشاركته في أمر، يقول "شهاب الدّين": (لا تجادل الأمير فيما أمر، ولا تراجعه فيما عزم، إنّه الرّاعي لشؤون رعيّته، وأنت واحد منهم، فلا تقل إلاّ سمعا وطاعة) ، ولعلّ هذه الجملة الثّقافية تكشف نسق التّرفع عن الرّعية في ثقافة الطّبقة الحاكمة: (رفعت يدّها المضجّرة بالدّماء قائلة: هذا دمّ ملكي، أغسل حقدك إذن يا بني) ، فهل كانت دمّاء الملوك وأنفاسهم أشرف من رقاب العامة؟، ذلكم نسق التّعالي المضمر إذن.
ب/ نسق تحقير الآخر: ويظهر هذا النّسق مضمرا في خطابات الشّخصيات السّياسية، فلا عجب مثلا أن يرد في الأثر وصف الحجاج بن يوسف الثّقافي رعيّته في ولاية العراق بـ"أهل الشّقاق والنّفاق"، أو أن يضفي أيّ مسؤول سياسي أوصافا لا تليق بشعبه كما فعل قائد الثّورة اللّيبية "معمّر القذافي" حين وصف معارضيه بالجرذان مثلا، ونماذج الأمثلة كثيرة استقرّت في ثقافة الطّبقة السّياسية المتعاظمة والمرتكزة حول نفسها محتقرة لكلّ مخالف، ولنعد إلى الرّواية لتقصّي بعض الواجهات الخطابية التي يختفي فيها نسق التحقير للآخر الذي لا يمت بأيّ صلة لمبادئ الإنسانية: ومنها بعض عبارات الأمير جلال الدين الذي قال في حقّ أخيه المتنكّر في هيئة رجل قروي وكأنّه يتكلّم عن بهيمة: (إنّه من أنقذني، أيها الأحمق، أحضره حيّا) ، فمع إحسان هذا الرّجل إليه بعد أن أنقذه من الموت المحقّق،" فإنّ الأمير جلال الدّين" لا يزال يحتقر كلّ العامة لمجرّد أنّهم ليسوا أمراء مثله: (هذا الحارس الوضيع، هذا الرجل الجاهل يتحدى الأمير) ، فكلّ هذه الجمل الثّقافية تضمر من تحتها ثقافة الطّبقة الحاكمة التي لا ترى العامة ألاّ بعين التحقير والازدراء.

ثالثا: النّسق التطويعي:

وفي نسقها التطويعي - رغبة أو رهبة- يختفي نسق العنف في خطاب السّلطة عبر تهوين آليات القتل والتّعسّف تحت مسمّيات تحقيق الأمن وفرض النظام ودولة القانون، فالنّسق التطويعي سياسي بامتياز، يمارس القمع المنظّم ضد الشّعب لإخضاعه، واستعمال عنف الدّولة لردع المذنب فعل استقرت في الثّقافة العربية حتّى غدا فعلا ثقافيا، وإن تمظهرت هذه العقائد السّلطوية في قوانين وأنظمة، فإنّها تخفي نسقا آخرا متخفيّا غايته إخضاع الرّعية وجعلها تابعة للنّظام، وما شهده التّاريخ الإسلامي من قتل واضطهاد في حقّ المخالفين في جميع العصور، أبقى هذه الصّور للممارسات الغير إنسانية ماثلة في ثقافة المجتمع ممارسة أو إقرارا، بيد أنّ التّكرار آلة بلاغية تعزّز الفكرة في الذهن، فـ(لا يمكننا أن ننكر ما للتّكرار من قيمة في تعزيز النّسق الثّقافي، الذي لا يمنح تلك الخاصية، إلاّ إذا تشكّل عرفا شبه متواضع عليه، عاكسا نظرة مجموعة من البشر لأمر من الأمور ذات تعلّق بجانب من جوانب حياة الإنسان الاجتماعية أو الاقتصادية أو النّفسية أو العلمية أو الدّينية) ، وها هي رواية "تاج الخطيئة" تتبنى نسق العنف، أو بالأحرى تضمره في خطاب السلطة تحت مسميات أو خطاب ظاهري يدّعي تحقيق الأمن والاستقرار وإنهاء الفتنة، وتؤسّس لنسق مضمر يجيز البطش والرّدع بالقوّة لكلّ متمرّد على السّلطة أخذا بالنّظرية الماكيافيلية "الغاية تبرّر الوسيلة"، يقول الأمير شهاب الدّين: (إن لم تستطع أن تأخذ ما تريد طوعا، فيجب أن تجد طريقة مضمونة لتأخذه كرها) ، ولعلّ النسق الديني أكثر القشور التي تتستّر على نسق العنف كآلية هيمنة وإخضاع ، فنجد الخطاب الدّيني يبرّر الأفعال ويسقط الأحكام ويمارس الإقصاء ويحلّ سفك الدّماء بل قد يجعله واجبا، باستثمار مفاهيم (المقدّس والمدنّس)، أو يلعب على أوتار التّرغيب والتّرهيب، يقول الأمير شهاب الدّين: (وإني لأنذر رؤوس الفتنة، لئن لم ينتهوا لأصلبنهم، ولأجعلهم عبرة لمن يعتبر...، أطيعوني معشر المسلمين، فما خابت رعية أتبعت رأي راعيها) ، فتحت هذا الخطاب الصّالح في ظاهره، لخطيب غيّور على دينه ووطنه، فيسعى لإخماد نار الفتنة، يقبع نسق الترهيب والبطش.

رابعا: نسق الطبقية:

يحاول النّقد الثّقافي في تعامله مع النّصوص الأدبية (إبراز الصّراع الطّبقي الدّائم الذي تحاول فيه كلّ طبقة ترسيخ القيم الثّقافية التي تخدم مصالحها) ، لأنّ هذا الصّراع يكرّس مظاهر لا تتماشى مع مظاهر الإنسانية والارتقاء الحضاري، ويضمر في طيّاته أخلاقا نابية مثل: العنصرية والنّزعة الشّعوبية، وكذلك رواية "تاج الخطيئة" فقد أشارت في متنها إلى هذه الطّبقية: (رأت مملكتها تغرق في الفقر والنّاس يزدادون بؤسا، ينامون جياعا، بينما ينام المستشارون في فرش من حرير) ، فمن الخطأ أن نتلقى المؤشّرات الثقافية، الاجتماعية، الفكرية في النّص، دون التعمق في دلالتها ونسقها المضمر، ولا يكون كشف وتعرية الأنساق المضمرة إلاّ بمسائلة الأنساق الظاهرة الموازية لها، بكشف دلالاتها وإشاراتها التي تقودنا إلى النّسق المضمر، وللكشف عن هذه الطبقية المقيتة التي يقوم فوقها الظّلم الاجتماعي، لابد من لمّ المتعلقات المدنية للطّبقة الحاكمة وطبقة الرّعية، والمتعلّقات المدنية في أبسط تعريف هي: (الجانب المادي من الحضارة كالعمران ووسائل الاتّصال والتّرفيه) ، وفي هذا السّياق تبرز الأعراف والمعاملات كبعد من أبعاد ثقافة طبقة اجتماعية معيّنة، تكشف عن طريقة تفكيرها، وتفسّر أنماط سلوكها: فالعادات من الرّموز الموحية بالانتماء إلى هويّة ثقافية مميّزة، ذلك لأنّ (سلوك الشّرائح الاجتماعية مدفوع بمفاهيم وأفكار وقناعات متجسّمة في الجسم الاجتماعي ككّل، فيها تتأكّد مشروعية الأطروحات والمطالبات، وهي في الحقيقة مدار كلّ النّقاش السّياسي وكلّ صراع اجتماعي) ، وتبعا لهذه الطبقية المكرّسة يظهر لنا نسقان

جزئيّان متباينان:

أ نسق الطبقة الحاكمة: بيّنت رواية "تاج الخطيئة" نسقا لأعراف الطّبقة السّياسية بامتياز، فنقلت لنا سلوكات ثقافية نمطية لأفراد العائلة المالكة: إذ تبدو عليها علامات الثراء الفاحش في صرفها للأموال بسخاء دون احتساب للعواقب: (يبتسم شهاب الدين وينضر بإعجاب إلى جواد: سأجعلها 1000 قطعة ذهبية، ما رأيك؟)، كما أنّ لها قصور فخمة مشيدة، فقد بدا لنا القصر الملكي في "تاج الخطيئة" وسيلة لاستعراض مظاهر حياة الرّفاهية والبذخ التي تعيشها الطّبقة الحاكمة في زمان قيل عنه زمان فاقة وشدّة وعدوّ متربّص: (في غرفة واسعة، مفروشة بأفخم الزّرابي الفارسية... متكئة على الوسائد الحريرية) ، وفي موضع آخر تقول الكاتبة: (في غرفة أخرى مليئة بالجواري اللّواتي كنّ يعزفن على مختلف الآلات الموسيقية، كان جواد يترنّم على ألحانها، وفي يده كأس الخمر....) ، فالسّياسيون يرتدون أفضل الثّياب وأغلاها: (خلعت الملكة حليّها ورداؤها الفخم) ، ويخطّطون مسبقا لإعداد الأمير في سنّ مبكّرة ليكون أهلا لتولي المنصب المهيّأ له: (شهاب الدين: عندما في سنّ الخامسة أرسلتني أمي لقبائل الجنوب حتّى أتتلمذ على يد شيوخها، فأحفظ القرآن والحديث، وأتعلّم الخطّ العربي والفروسية والمبارزة...) ، ولقد درجت ثقافة أولئك السّياسيين في إبداء التصرّف اللّبق في سائر شؤون حياتهم ممّا يضفي عليهم صورة الاحترام والتبجيل: (يخرج الأمير فينحني الشّيوخ له، يلحقه جلال الدّين مقلّدا مشيته الهادئة...) ، وهم يتخاطبون بالألقاب والرّتب (أيّها الأمير، أيّتها الملكة، مولاي، السّلطان، صاحب الجلالة...)، وتمتد عندهم هذه الرّسميات أو الثّقافة الرّاقية وقد يطلق عليها حديثا: "الديبلوماسية" إلى أبسط أمور حياتهم وحتّى في تعامل الابن مع أمّه: (يقترب شهاب الدين من الملكة، ويقبل يدها: "ليلة سعيدة مولاتي) ، وهي ثقافة تحرص الطّبقة الحاكمة على الظهور بها في العلن (الانحناء، التقبيل، الاعتذار، الشكر، التسليم، اللطف...)، وخلف مظاهر هذه الثّقافة الرّاقية يتوارى نسق مضمر يرعى الهيمنة والإخضاع العقلي وفرض التّبعية على الرّعية التي تعترف بدونية ثقافتها مقابل أعراف السّلطة الرّاقية، فتقبل العامة التّبعية للأسمى والأرقى.
ب- نسق المحكوم: للرّعيّة أعرافها وفلسفتها ونماذجها التّعبيرية، وعادة ما تجمع كلّ هذه الخصائص تحت مسمّى "الثّقافة الشّعبية" استنادا لمصدرها الذي هو الشّعب أو العامة من النّاس، ولقد تشكّل في المجتمعات العربية تمثّل نسق المواطن/الشعبي في صورة البائس المسكين الفقير المعدم، فهي نماذج نمطية تهمّش كلّ ما هو شعبي وتحتقره وتجعله في المقام الثّاني، وهذا بتواطؤ من المؤسسّة السّياسية الرّسمية، حتّى غدت هذه الفلسقة ثقافةً يقرّ بها حتّى الفرد الشّعبي نفسه، فمهما ملك الإنسان الشعبي من رزق وقوّة لا ينفك عن إدّعاء الفقر والمسكنة، وفي الجزائر - موطن الكاتبة- ، لا تنفك الطبقة الشّعبية تطلق على نفسها مصطلح "الزواولة" (بمعنى الفقراء أو البؤساء)، وترا لقب "المسكين" يلازم الجميع، وفي هذا شيء من معاني الازدراء والرّثاء، بينما يُنظر لرجال المال والأعمال نظرة تقدير واحترام ويُدعى بـ"القمقوم"، وقد يكون مردّ هذا اللّقب إلى كلمة "القمة"، وفيها اعتراف بعلوّ مقام هذه الشّخصية وارتفاعه عن الطّبقة الشّعبية، وهذه الثّقافة المترسّبة في ممارسات المجتمع كان لها أثر في توجيه الكاتبة في تمثّلاتها للطّبقة الشّعبية في الرّواية، فأفرادها معدومون، بؤساء، أعمالهم لا تسدّ حاجاتهم: (فلاحون فقراء لا يجدون ما يسدّون به رمقهم) ، يعيشون في أماكن ضيّقة قذرة في عوز وفاقة: (منزل قديم مطلّ على أرض صغيرة، كلّ ما في المكان يوحي بفقر مالكيه: عدد قليل من الماشية تجول بالمرعى وبعض من الدّواجن هنا وهناك) ، وهم رعاع من الهمج المتوحشّين الذين يصرخون ولا يتسامحون أبدا، ويفتقرون لآداب التّعامل ولباقة التصرّف: (دخلت المرأة منزلها وأغلقت الباب بقوّة) ، وخاصة إذا كانوا يسكنون في الريف، فالثقافة العربية عامة تحتقر كل من هو بدوي مقارنة بالحضري، فلا ترى من البداوة إلا البلادة والجفاء وقساوة الظروف، وإن كان هذا النّسق الظاهر لطبقة الشّعب فإنّه بالموازاة يتستّر على أنساق فعل قبيح ومسكوت عنه لقمع السّلطة التي تمدّ يدها لمحاصرة حياة الشّعب وسعادته، وتسيطر على الإنسان والمكان لتحوّله إلى عالم من المعاناة والحرمان، تنشر فيه الجهل والفقر والتّخلّف لتضمن إخضاع الشّعب وترويضه وكما يقول المثل العربي: "جوّع كلبك ليتبعك"، بيد أن الرعيّة تقابل كل هذه المفارقة الثقافية والاجتماعية، إما بنسق الشّعور بالدونية والنّقص، (فيعيش على غرار ما يريده المستبدّ، وما جرى تدجينه عليه في الأسرة، ، ثم المدرسة والمجتمع) ، وهو الأغلب والشّائع في الثقافة العربية لشعوب خاضعة طائعة، وهذا ما يؤكّده يقول المثل الشعبي: (يا رايح للمغرب قول الحق أخطيه، كيما يقول حسن الثاني قول إيه)، فالمواطنون مسلبو الإرادة والرأي، وهذا التمثّل الثّقافي للخضوع هو من وجّه الروّائية لتخطّ لنا هذا المشهد السّردي: (ومن ذا يقف في وجه السيف، لا أحد، ما إن تقوى أصواتهم حتى تضعف، لم يكن للضعفاء يوما صوت، لطالما كانت همهمات) ، وقد تتبنى الطّبقة الشّعبية نسق التمرّد وعدم المصالحة مع السّلطة فتظل علاقتها معها يحكمها التوجس والتشكيك والاحتجاج ف(صورة النّسق الفردي يتجاذبها موقفان: موقف الانتماء إلى النسق الجمعي والوقوع تحت هيمنته القسرية أحاطه الجميع بحبّ أو تملّق، أو التمرّد والخروج على هذا النّسق لتشكيل عالم الذات) ، وهذا ما لاحظناه عند العجوز الثّكلى التي تحدّت الأمير وجنوده بقولها: (أمير لا يرأف بحال أمّته ليس بأمير، وجند يعينون الظّالم ويسحقون المظلوم ليسوا بجند) ، ورفضها للتّسامح مع ظالميها.

4-2- نسق الأنوثة والذكورة:

أوّلا: نسق الإنسانية/ التساوي: أنساق النص الظاهرة، التي تبنتها الكاتبة في تاج الخطيئة تشي بخطاب إنساني يساوي بين الذكر والأنثى، فالكاتبة انطلقت من مبدأ البشرية: (لكننا بشر وجهلنا يقودنا دائما) ، ذلك لأن الكاتبة أو المبدع عموما (يحاول قراءة العالم بحسّه الإنساني المرهف بكلّ موجوداته، وبأناسه وأشيائه وعلاقاته الإيجابية والسلبية، ليعيد بناء هذا العالم العجائبي بوصفه كلاّ ثقافيا فاعلا) ، وهذا هو ديدن الكتابات الأنثوية التي تقاوم الهيمنة الذكورية أو على الأقل ترفع شعار المساواة بين الجنسين، فـ(النّص يكشف عن رغبة الأنثى في التمرّد وكسر النّسق والخروج من شرنقته سعيا إلى تأسيس عالم الذّات) ، والنّص الأدبي قبل أي شيء (بنية ثقافية جمالية) ، يتلبّس بنية فكرية ثقافية تعد المرجعية الإيديولوجية التي تحرّك فعل الكتابة وتوجّه أهداف الإبداع، وهكذا فإنّ(المؤلّف من منظور القراءة الثّقافية يعدّ منتجا قادرا على فهم سياقات الثّقافة ووظائفها بحكم تماسه التّاريخي مع مفرداتها، لذلك فإنّ معرفة تكوينه الثّقافي، وحضوره الطّبقي والاجتماعي، إضافة إلى حيثيات علاقاته وتماساته مع المؤسّسة الإيديولوجية أو السلسلة الفكرية في عصره، وتبدو من الأهمية بمكان للكشف عن الفعالية النّسقية في الخطاب الأدبي) ، فالرّوائية "جميلة مرّاني" قد ساوت وقاربت بين أفعال الشّخصيات المتّصفة بثنائيات صفات وأفعال إنسانية متناقضة: كالخطأ والاستغفار، الضعف والقوّة، العقل والعاطفة، لا تجرّم أحدا على حساب الآخر، بل كلّ نفس (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ، بغض النّضر عن الجنس، ولعلّ الرّواية عبّرت عن قناعاتها عبر لسان "الشّيخ أحمد" حين يقول: (هنا تكمن ميزة كلّ واحد منّا، في اختلافنا يكمن إبداعه عزّ وجلّ، وفي تبايننا نلحظ الجمال الذي أودعه فينا...) ، فها هو الرّجل/الذكر الأمير "شهاب الدّين" يُخطئ: (الابن الذي أخطأ وعاند فليس أمامه إلاّ أن يدفع ثمن خطئه) ، ومثله الأم/الأنثى الملكة "شجرة الدّر" تخطئ أيضا: (خسرت ولديها في سبيل الملك، دفعت الأوّل نحو الموت، وجعلت من الثاني مجرما بحق عائلته، أدركت أن الخطايا التي نرتكبها لا تندثر) ، ولا مناص لكلاهما أن يطلبا الغفران، ويسعى لخلاص الآخر من الآثام والمعاصي، فالملكة/الأنثى تصلّي وتطلب الرّحمة لابنها الأمير، والصّفح عنه وعنها، بعد أن تخلع كلّ أقنعتها الملكية وتعود لصفائها الرّوحي وأصلها الإنساني المتسامي وعاطفتها المقدّسة: (كانت الملكة كعادتها طوال عشر سنين الماضية تزور الهضبة، تصلي عشرات الركعات، تطلب الغفران، تخلع ثوب الملك وتلبس ثوب الأمومة المفجوعة) ، ومثلها الأمير شهاب الدّين الذي زهد أخيرا في الدّنيا، وفضّل اعتزال الملك ليخلو لخالقه ويطلب الغفران لأمّه: (لا تغفري لي، ولكن اغفري لها، اغفري للملكة) ، والقارئ –والقراءة تأويل- يدرك بأنّ لسان حال الكاتبة يقول بأن العالم والتاريخ يذكر رجال الحرب وينسى ملكات السّلام: فـ"شهاب الدين" بأنانيته ونرجسيته كان مستعّدا لحرب لا هوادة فيها، بينما أمّه الملكة سعت لإخماد نار الفتنة ولو اضطرت للتّضحية بابنها، فالمرأة/الأنثى حسب –جميلة مرّاني- تغلّب العقل على العاطفة في المواقف الحاسمة: (لم تستطع أن تضعف وتبكي، تعلم أنّ استسلامها لعواطفها يعني غياب حكمتها وتغليب عاطفتها) ، فالشّخصية القويّة - حسب الكاتبة- ليست حكرا على الرّجل فللمرأة أيضا حظّ ونصيب فيها: (كانت المرأة تتكلّم بوتيرة واحدة، وتيرة تنم عن رزانة ورجاحة عقل) ، وهي صورة لم نعتدها في النسق الذّكوري الذي يصوّر المرأة في كومة من العواطف وخفّة العقل: (أجّلت البكاء، أجّلت نحيب الثّكالى، ودموع الأمّهات، أجّلت الألم، فعقلها لم يسمح لها بذلك) ، كما أنّ الضعف حالة إنسانية عامة، ليست خاصة بجنس دون آخر، يقول اللّه تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) ، فكما تضعف المرأة يضعف الرّجل نفسيا: (قد تتشابه الدروب أمامه، فتتوه خطواته، وتتراجع ثقته بنفسه) ، وجسديا (ببدو أنّك رجل ضعيف حقّا) ، وخلف هذا النّسق الإنساني الظّاهر الذي تبنّته الكاتبة في روايتها "تاج الخطيئة" يتوارى نسق ذكوري مستبّد قبيح مستبدّ وما لجوء الرّوائية للكتابة إلاّ تمرّدا على هذا النّسق المهيمن ورفضا لادّعاءاته، فـ( الخيال هو مشروع التمرّد والثّورة ضدّ الظلم والجهل وفساد الضّمير وازدواج المقاييس، والثّنائيات الباطلة، التي نشأت منذ عصور العبودية حين انقسم المجتمع إلى أسياد وعبيد، واندرجت النّساء مع الماشية تحت بند العبيد) ، وهذا ما سنبيّنه في العنصر اللاّحق.
ثانيا: نسق فوقيية الذكورة/ دونية الأنثى:
هو نسق مهيمن ذكوري بامتياز، وهو ما يؤكّد أنّ فكرة التراتبية النخبوية في المجتمع أنّها ركام ومخلفات الثّقافة الذكورية المهيمنة، فالرّجل مالك اللغة وصانع التاريخ، وهو محور البطولة والفحولة في كلّ الميادين، ففي الشّعر مثلا سيطر الرّجال على فنّ القريض على مرّ العصور ومنهم "عنترة بن شداد"، "حاتم الطائي"، "حسّان بن ثابت"، "المتنبي"، "البحتري"، "أحمد شوقي"، "حافظ إبراهيم"...، فالثّقافة الجمعية التي خضعت لها الروائية وتشرّبت منها أنتجت نسقا ذكوريا (له من اللّغة ومن الثّقافة ومن الجسد غير ما للمؤنّث، له الأسمى والأرقى والأفضل، ولها ما دون ذلك) ، وهذا ما يفرز (ولادة الذّات المتعالية التي ترى في تفوّقها على الآخر – الخصم- تأسيسا لنسقها الفردي وجعله محورا فاعلا في وجود المجموع) ، فها هو بطل الرّواية "شهاب الدين" فارس مغوار، شجاع: فهو (المقاتل البارع الذي أثار إعجاب جنوده، والرّجل الحازم الذي ينفّذ قراراته دون تراجع، وابن الملك الذي ورث عن أبيه ولاء المحاربين احتراما وتقديرا) ، وغيرها من الأوصاف التي تلاحقت بإلحاح لتصفه لنا بالقوّة والشّجاعة والكرم والوفاء والضّمير الأخلاقي، وهذه صفات كلها تغلب على أخطائه المرتكبة، ففي هذا إقرار للرّجل بتفوّقه وكماله، ففخامة الاسم تكفيه، فهنا الكاتبة استجابت لثقافة مجتمعها، فأيّاً تكن الذّات جماعية أو فردية فإنّها نتاج ثقافة المجتمع وهي (محصّلة بناه التّحتية واللاشعورية، وهي استعادة أنماط سلوكية سحيقة في قدمها، أنماط منسية في أقاصي الذّاكرة على قدر ما تبدو مجهولة الأصول والأسباب ومستعصية على الفهم والتّفسير) ، والثقافة الجمعية العربية وبتأييد من المنظومة الدينية ساهمت في إنتاج هذا النّسق الذّكوري المتعاظم، الذي يتمتّع بالمركزية المطلقة، فما على المرأة إلا الإقرار والإعجاب ببطولات الرّجل، والمدح والثّناء عليه في حياته وبعد موته: كما قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر: طويل النّجاد رفيع العماد كثير الرّماد إذا ما شتى.
فكون المرأة خلف الرّجل الذي يتقدّمها ثقافة شائعة في مجتمعاتنا العربية، ومهما بلغت عظمة المرأة وأهميتها وعلا شأنها، فإنّها لا تعلو فوق الرّجل كما (لا تعلو العين على الحاجب)، ولا تسبقه إلى الحمد والثّناء، وكما يقول المثل العربي: "وراء كلّ رجل عظيم امرأة"، فعلى طول الرّواية "تاج الخطيئة" كيف أنّ الملكة كانت دائما في الخلفية وفي الجزء المظلم من القصر: هكذا تقف الأم معجبة بولدها، وهو البليغ الذي يأسرها بقوله: (داخل القصر كانت الملكة تراقب الأمير خلف النّافذة، تسمع كلامه وتتأمّل حركاته، فترتسم على وجهها ابتسامة حزينة، إنّها ترى الملك الفصيح الذي يأسر السّامعين بحكمته وبلاغته) ، فكان من الطّبيعي أن ينتج التمركز حول الذات المتعالية/ الذكر دونية الأنثى وهامشيتها خارج القيم والمعايير التي يتبناها التمركز الذكوري المتعالي الذي يرى أنّ (صفة الآخرين المُتعالى عليهم تشمل كلّ ما هو خارج الطّبقة، وأدنى الجميع هو الأنثى، ويجري دائما تحقير الأنثى، وهو المعنى النّسقي الجوهري) ، هذا ما تتبنّاه الثّقافة التي تصوغ فكر الجماعة ومخيّلة الأفراد المنطوين تحت فاعليتها الفكرية والاجتماعية لتنتج لنا نسقا ذكوريا متعاليا، تُبرّر له أخطاؤه وتُغفر له خطياه: لنأخذ مثال الحشّاشين في رواية "تاج الخطيئة" مثلا: وهم شرذمة من قطّاع الطّرق والقتلة المستأجرين، يُتغاضى عن فعلهم القبيح وكأنّهم جزء من الطّبيعة وأشخاص عاديين، هكذا نشعر ونحن نقرأ العبارات التي تصفهم بالقوّة والمنعة والرّهبة وكأنّنا نتحدّث على فرسان بواسل وليس مرتزقة، ويُحسب لهم بأنّهم يقتلون بإتقان ويختطفون بمنتهى ضحياهم الحكمة والفطنة، تقول الملكة: (سمعت أنّهم ينفذون أعمالهم دون أخطاء، سرعتهم تفوق قدرة بشري، ودقّتهم تتجاوز الحسّ الإنساني) ، هكذا ينتظم في الثّقافة تبرير الأخطاء للرّجل والتّعامي عن عيوبه في كلّ المواقف الحياتية، فحين يبرّر "الشيخ أحمد" أخطاء الأمير "شهاب الدين" يقول: (أيّها القوم لا تحملوا على الأمير، إنه شاب لا يدرك ما ندركه نحن، ولسنا بأفضل منه، أرجوكم أيّها السّادة أعينوه بالنصيحة واصبروا، فإنّ الفتوّة تهوّر) ، وفي هذا التغاضي والتجاهل وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، نسق ثقافي مضمر يشي بالتّجاوز عن سلبيات نسق الذّكر وأخطائه، وكما يبدو فإنّ هذا النّسق تحكّم حتّى في كاتبة "تاج الخطيئة" التي استجابت لثقافة مجتمعها، فقد (أصبح النّسق في إطاره الأدبي يعمل على بلورة منطق التّفكير الأدبي في النّص ويعمل كذلك على تحديد الأبعاد والخلفيات التي تعتمدها الرّؤية) ، فراحت دون وعي هي الأخرى تبرّر للأمير المتهوّر الصّغير زلاّته: (ماذا عساه أن يفعل وقد فتح عينيه على أخ مقتول، ووالدة ضائعة وملك مهدّد) ، وهذا النّسق الذكوري المتعاظم في المخيّلة والرّؤى الجماعية هو الذي وجّه خيال الكاتبة لتشكّل لنا شخصيات روايتها، وتنتقي أدوارها وهويّاتها، فاستقراء عابر لهذه الشّخصيات المتخيّلة يرينا جليّا الأدوار الإيجابية الفعّالة التي تحتلها الشخصيات الذكورية في تاج الخطيئة: (الأمير النبيل، الأمير الطّامح في السّلطة، الصّديق الوفي، السّلطان القوّي، الشّيخ النّاصح الأمين، الأخ الغيور المدافع عن عرض أخته)، مقابل (الملكة المذنبة، الجارية التابعة، البنت المقتولة، والأم الثكلى)، فهل كان غلبة العنصر الرجالي إلاّ نسقا مضمرا عن هامشية الأنثى في الحياة السّياسية والاجتماعية وتجريدها من كل حقوقها؟، فالأنثى/النّسق تأتي في صورة نمطية متوارثة تتمثّلها في قمّة من الاحتقار والدونية عبر مواقف تستجدي الشّفقة والرّثاء تنكر عليها التأثير والفعل والفاعلية: (فهي في صيغة المفعول به: موؤودة/ معشوقة/ معبودة/...، والفاعل هنا هو التّصوّر الثّقافي عن الجسد المؤنّث) ، وهكذا بدت لنا الأنثى في "تاج الخطيئة" فهي الأنثى/المأمورة: (يدخل الأمير شهاب الدين إلى الغرفة فتكف الجواري، وبإشارة منه يخرجن مسرعات مضطربات) ، والأنثى/المقهورة تحت استبداد الرّجل: ( تتبعاه عينيها المليئة بالحزن والألم، وما إن يغلق الباب وراءه حتى تنهار باكية) ، الأنثى/الهشّة التي تتحرّك بما تمليه عليها عواطفها ومخاوفها، المحبوسة بين الجدران، يتلخّص دورها في تربية الأبناء والعناية بهم، وكلّ دورها وقيمتها يُختصر في جمالها وجسدها، لننظر مثلا كيف قدّمت الكاتبة الملكة: (كانت امرأة في أواخر العقد الثالث من عمرها، متّكئة على الوسائد الحريرية، وملامح الغضب ترتسم على وجهها الجميل، بينما ينام في حضنها فتى في الثامنة من عمرها، تنظر إليه بشفقة، بينما تعبث أناملها بشعره الأسود..) : لا شكّ أنّ خلف هذا المقطع الوصفي الظاهر الملكة في الرّواية، نسق مضمر يصّر على إهانة المرأة في حصر هويّتها عبر جغرافية جسدها، بيد أنّ الإشارة في هذه الجملة الثّقافية إلى عمر الملكة، إذعان لسلطة الزّمن على الجسّد وسيرورة مفاتنه، فكلّ ما نعرف عن الملكة "وجه جميل"، "وقرابة عمر الثّلاثين"، ثمّ إنّها مجرّد امرأة نكرة وكفى ولو لم تكن هي ستكون غيرها، (ولعلّ السّبب الكامن وراء تنكير المرأة وعدم تعريفها هو هامشية مكانتها الاجتماعية) ، بل يمتدّ هذا التنكير إلى إنكار اسمها، فعلى طول الرّواية لم يذكر اسم "شجرة الدّر" إلاّ مرّة واحدة، بينما تواترت أسماء الرّجال عشرات المرّات (جلال الدين، شهاب الدّين، جواد، الشيخ أحمد...)، وهذا الإنكار إنّما استمدته الكاتبة من ثقافة مجتمعها العربي الذي يتجنّب مناداة المرأة باسمها وامتثلت لتعاليم هذه الثّقافة التي وجهتها نحو الإقرار بغلبة الرّجل وتفوّقه دون شعور منها، فالكاتبة "جميلة مرّاني" ليست معزولة عن سياقها التاريخي، الثّقافي، الاجتماعي، العربي، الإسلامي، الشعبي، الجزائري، والمبدع (في جميع انشغالاته لا يخرج عن إطار المبدأّ القائل حين أتكلّم أتكلّم نفسي وأتكلّم ثقافي) ، وكما يرى فوكو، بأنّ النّسق يمثّل فكرا قاهرا قسريا، فهو ليس إلاّ: (نظرية كبرى تهيمن في كلّ عصر على الكيفية التي يحيا بها البشر ومن خلالها يفكّرون) ، وكذلك فقد بدت المرأة في رواية "تاج الخطيئة" غائبة عن ساحة السّياسة وصناعة القرار، فعلى طول الرواية لم نجد الملكة في قاعة العرش تشارك في الجدال السياسي، بل دورها مغيّب في غرف منعزلة، ومهما بلغ ذكاؤها وفطنتها ومكانتها السّامية في البلاط الملكي، فهي بدون صلاحيات حقيقية، وليس غريبا أن يرد نسق تجاهل وتغييب الأنثى في الرّواية، فهو نتاج ممارسات ثقافية في المجتمعات العربية، إذ تقول أحد الأحاديث الموضوعة المكذوبة عن الرسول "ص" أنّه قال: "شاوروهن وخالفوهن"، كما تُروى قصة في ثقافتنا الشّعبية الجزائرية عن رجل كان يملك ثورين يحرث بهما، فلما مرضت أحد الثيران ونفقت احتار في كيفية التّصرّف، فأشارت عليه زوجته أن يستبدل الثّور النّافق بالحمار، فأجابها: "واللّه يا امرأة إنّ هذا لقول صائب، تمنّيت فقط لو قاله أحد غيرك لأعمل به)، فلا نتصوّر رفض الأمير سماع نصائح أمّه المحنّكة في السّياسة جاء صدفة وتأليفا من خيال محظ بقدر ما هو مرتبط بتوجيه قيم المنظومة الثقافية الجمعية لسلوك أفراد الجماعة التي تنضوي تحتهم الكاتبة: (الشيخ أحمد: أليس أفضل أن نستشير الملكة الأم؟، ينهض الأمير غاضبا: أنا صاحب القرار الأوّل والأخير هنا، هل ترى غير ذلك؟) .
وإن بدت المرأة فاعلة فهي في حكم نسق الأنثى/ المكيدة، وهي ثقافة ووجه فكر مضمرة مترسّبة في العقول وفلسفة التّفكير حقبا من الزّمن وتخرج هذه القناعات في أثواب شتّى، عبر أشعار وأمثال شعبية وقصص وأحاديث تُروى عن كيد النّساء: ابتداء من تفسير الآية القرآنية: (إنّ كيدكن عظيم) ، إلى حكايات مكائد زوجات الأب للتّخلّص من أربابهن في الأدب الشّعبي، والقصص اليومية التي نسمعها في عالمنا العربي عن كيد الصديقات والعمات والخلات...، فهي ثقافة متجذرة في مجتمعاتنا امتدّت حتّى إلى الإنتاج السينمائي ليشمل إنتاج مسلسل مصري يحمل هذا الاسم (كيد النّساء)، فليس غريبا أن نرى الملكة/الأنثى تكيد لابنها لإبعاده عن العرش وتولية ابنها الأصغر، فتفاوض السلطان بسرية، وتتاجر مع جماعة الحشّاشين، وإن حاولت الكاتبة تغطية هذا النسق المضمر بعاطفة الملكة الجياشة تجاهه.


جميلة مرّاني". أ. شعلال عادل.