القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هسسس!.. قصة قصيرة بقلم: محمد منصور/ مصر.

هسسس!.. قصة قصيرة بقلم: محمد منصور/ مصر.

بمناسبة معرض الكتاب وماجرى ويجري فيه…

 هسسس !

قرأت القصة فلم أفهم شيئاً.. وقف الكاتب على المنصة قبل أن تبدأ الندوة يتلقى التهاني على إبداعه الجديد ،أحاط به النقاد من كل جانب ،أمطروه بكلمات الاستحسان والإطراء على حين تكأكأ حوله عشرات القراء يمدون أيديهم بالكتب ليوقع عليها .
بدأت الندوة، قالوا كلاماً كثيراً لم أفهم منه شيئاً ، جئت إلى الندوة متمنياً أن تفتح أمامي مغاليق النص فإذا بى ازداد حيرة وكأنني سقطت فى بئرٍ بلاقاع، ملت على جارى الذى كان يصوب نظره ناحية المنصة وهمست فى أذنه:
– ماالمقصود بالمنظور الفوقى للبنية التحتية لدرامتيكية النص.؟!
لم يلتفت ناحيتي، وضع سبابته على شفتيه المضمومتين وقال فى صوت خفيض
– هسسس..خلينا نسمع.
ماذا يود ان يسمع ذلك الأحمق ؟
أراهن أنه مثلي لم يفهم شيئاً ممايدور بالقاعة، ثم مادخل البنية التحتية بالموضوع ؟..أنا كل معلوماتي عن البنية التحتية أنها مشروعات الطرق والمجارى وبالكثير الكبارى فمادخلها بموضوع الرواية؟
أخذت أقلب النسخة التى اشتريتها منذ العام الماضى ودفعت فيها عشرة جنيهات كاملة وجاهدت حتى قرأت الصفحات الخمسين الأولى حتى دار رأسي، حملقت فى الغلاف لعل مفتاح اللغز يكون قابعاً بين ثنايا الرسم ؟
هذه الخطوط المتشابكة ماذا تعنى ؟
والدوائر الحمراء التى تشبه شرائح الطماطم مادلالتها هى الأخرى؟..
لعنة الله عليكم كتاباً ورسامين.!
تذكرت الروايات التى كنت أشتريها لنجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس كان رسم الغلاف وحده يكاد يحكى القصة ، فمابين عالم الفتوات ورسم الشوارع والحارات على أغلفة نجيب محفوظ إلى وجوه الحسان ذوات المايوهات أو النظارات السوداء مع القبلات الساخنة بين فتى وسيم وفتاة حسناء لإحسان أو مناظر الحقول والأشجار لروايات محمد عبد الحليم عبد الله .
تذكرت المراهنة التى كانت تجرى بينى وبين أصحابى حين يقف الواحد منهم ممسكاً كتاباً من بعيد ومغطياً براحته على العنوان واسم المؤلف ، وكان علىّ من تأمل الرسم وحده أن أعرف لمن الرواية .وكنت أفوز دائماً
.فماالذى جرى؟..
هل نضبت ينابيع العبقرية التى طالما نعتونى بها ؟
عدت أحملق فى وجه جارى وهو يحك فى رأسه كأنما يبحث عن حل للغز ٍغامض ..كان شاباً نحيف الجسم ممصوص الوجه ، يضع على عينيه نظارات سميكة تشى بعمق إطلاعه وبأنه أحد الدارسين للأدب ، فلماذا لايساعدنى فى فهم مالم أفهم ؟
لن أدعه يفلت بغنيمته من الشرح والتحليل دون أن يشركنى معه ، أنا الذى تكبد مشاق السفر من الإسكندرية حتى معرض الكتاب حين قرات عنوان الندوة .
تحينت فرصة وقفة تناول الكاتب فيها كوباً من الماء واخذ يرشف منه بخفة ورشاقة متعمدة، ملت مرة أخرى على جارى فى هذه الهنيهة وقلت:
– حضرتك فاهم حاجة؟
بان الغضب على ملامحه وحدجنى بنظرة حانقة وقال:
– ياأستاذ أرجوك استمع للأساتذة ودعنا نسمع من فضلك.
كان واضحاً اننى أثرت غضبه بإلحاحي فأردت أن أسرّى عنه.
– حضرتك بتدرس نقد ..أليس كذلك؟
تجاهل سؤالي ومضى يحملق فى المنصة حتى أنهى الكاتب رشفاته التى لم تفلح فى إنقاص الكوب وكأنه كان يشرب الهواء،ثم مضى يكمل حديثه على حين شمل القاعة هدوء مريب..
انتهزت فرصة الهدوء السائد لأريح أجفانى المتعبة والتى أجهدها عناء السفر منذ الفجر حتى وصلت فى الموعد المحدد للندوة، تذكرت نظرات عزيزة حين أبلغتها بنيتى للسفر لحضور الندوة وغمغمتها التى لم يبن منها غير استنكار التضحية بيوم الراحة الأسبوعية وتضييعه فى الكلام الفارغ ، وكيف صحت فيها منتهراً :
– الثقافة ليست كلاماً فارغاً
– والبيت والعيال أليس لهم حق فى وقت راحتك ليخرجوا معك وفى فلوسك التى تبعثرها على الكتب حتى امتلأ البيت بها وكأننا نعيش فى مكتبة.؟
أجبت كمن يلقى محاضرة:
– هذه الكتب بها علم ومعارف وسيستفيد منها الأولاد حين انقلها لهم.
هاقد ثبت ان معها كل الحق وأننى أضعت يوم الراحة الأسبوعية وتجشمت عناء السفر دون نتيجة..
تذكرت يوم دخلت حاملاً الرواية وكيف أخذت تقلب فيها وهى تحاول فك شفرة اللوحة على الغلاف ثم قالت باستنكار:
– وماهذه الشخبطة؟
وأنا أجيب كالمغيب .
– هذه لوحة ..تعبر فى العادة عن مضمون النص.
قلتها فى لهجة متعالية حاولت أن تبدو أكاديمية لأنهي المناقشة.
إلا أنها واصلت أسئلتها بشكل مستفز.
– والقصة دى بتحكى عن العفاريت؟
ياللجهل..!
أنهيت المناقشة بأن أشحت بيدى وقلت
– هسسس ..بعدين..بعدين.. حين انهى قراءتها سأحكيها لك .
ومن لحظتها كانت كلما سألتني أجبت بأنني مشغول وأننى لم أنه القراءة بعد.

}