القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

سهيلة بن حسين بن حماد: “القصة القصيرة والأخلاق”.. قراءة لـ نص (اللّيلة الفارقة) للقاصة: سهام شكيوة/ تونس

سهيلة بن حسين بن حماد: “القصة القصيرة والأخلاق”.. قراءة لـ نص (اللّيلة الفارقة) للقاصة: سهام شكيوة/ تونس
 قصّة بهيّة السّرد، مخاتلة أحدثت الصّدمة و الدّهشة في القفلة …في لغة بسيطة فصيحة بليغة.. خدمت الفكرة و الرّؤية.. وحيث أنّ إمكانيّة الخطأ واردة في تشابه الأسماء الثّنائيّة فقد ألزم المشرّع الأفراد بضرورة تضمين الوثائق الرّسميّة، لإثبات الهويّة كمضمون الولادة وبطاقات التّعريف القوميّة، وجوازات السّفر، وغيرها الإسم الثّلاثي وربّما الرّباعي، مع ضرورة ذكر الجنس والهويّة تفاديّا لحصول أخطاء مماثلة، و لرفع الالتباسات وربّما الشّبهات في كثير من الأحيان.. حتى لا يحرم فرد من حقّه في ميراث أو مناظرة أو غيره.. كما حصل في هذه القصّة القصيرة، حيث قامت اللّجنة بتغيير إسم القصّة، وباعتبار تشابه الأسماء تسلّم حسن الجائزة الأولى بدل الفتاة التي تحمل نفس إسمه بالرّغم من تأكّده بأنّ إسم القصّة التي استبدل عنوانها ليست قصّته، وبالرّغم من ذلك تعمّد تسلّم جائزة ليست من حقّه متّكلا على غياب صاحبها، دون أن يكلّف نفسه التّساؤل أو طلب توضيح من اللّجنة.. ولم ينتبه القارىء لذلك واكتشفنا حقيقة الأمر إلا عندما قرأ الإسم المدوّن على بطاقة المشاركة للفتاة الخرساء، عندها صُعق، ذلك أنّه تأكّد من أنّها صاحبة القصّة الفائزة بالجائزة.. وقد استعملت الكاتبة في ذلك تقنيّة التبطيء لتحدث الصّدمة في النّهاية لرجّ المتلقي و حمله على التأمّل في سلوك المثقّف، لإعادة النّظر في قيم المجتمع و الأخلاق …
  ولأنّ الخطأ اقترن بالإنسان ..هنا يطرح موضوع الجوائز و الحكم على أفضليّة النّصوص. من هنا تصبح الجوائز والمراتب المتحصّل عليها، في المباريات والدّورات التّحكيميّة ليست مقياسا لقيمة النّص الفعلي و النّهائي ، ذلك أن التّقييم لا يعتمد على آليات علميّة ثابتة و دقيقة بل، مهما بدا التحكيم ملتزم بإخضاع النّصوص إلى معايير أكاديمية فالذّوق الشّخصي والإنطباع قد يطغى عليه.مهما حاول التجرّد … وكم من نصّ لم يحظ صاحبه بجائزة على البوديومات؟ ثم أثبت التّاريخ أنّه كان جديرا بالتّنويه والتّتويج، و بالتّالي قد يتغيّر رأي نفس الحكم على نفس الأثر من فترة إلى أخرى، و هذا حصل لعبد الحميد جودة السّحّار في قصّته الثّانية “الحصاد” في زمن لاحق لعدّة اعتبارات وتغيّرات …لذلك على الإنسان أن يعمل ويجتهد من أجل أن يقوم بعمل مميّز. و لكن من دون أن يصاب بالإحباط إن لم يفز .. وعليه أن يعي بأن يفهم بأن النتيجة الحقيقية لنجاح عمل سيثبته الزّمان، بخلوده أو أفوله في المستقبل، و هذا أيضا يبقى في ذمّة القارئ العارف، و الحظّ، و حركة الانتقاء التّاريخي الزّمني لحماية عمل ذو قيمة من الحرق أو الإتلاف، كما حصل لمكتبة الاسكندريّة في الزّمن الغابر وكذلك لمكتبات بغداد التي أتلفها التاتار بحذف كتبها من رفوف المكتبات و قذفها في دجلة و الفرات، فخلّدت ذكرى القذف .. فيما غرقت متون رؤى وأفكار فلاسفة عظماء ذالك العصر وغيرها من العصور.. ولم يشفع لها قيمتها. نذكّر هنا بأفلاطون وأرسطو ما كان لتصلنا أعمالهما وأعمال غيرهما لولا اعتناء الإسكندر المقدوني الأعظم وتشجيعه بترجمة متونهم …فبقيت خالدة إلى الآن …
  السّارد في النّص كان أداءه متناغما مع الفكرة والحدث، أثّث التّفضية والإخراج الرّكحي للمشهديّة بشكل مقبول، وقد استطاع أن يضفي حركيّة في النّص أقنعت المتلقي من حيث ربط النّتيجة بالسّبب والحاضر بالماضي فأجبرنا قصرا على متابعة عدسته من الزاوية التي أراد وتسليطها على شخوص القصّة ارتدادا وتبطيئا فما كان من المتلقّي إلّا أن تابعه في شغف. لرقّة السّرد وعذوبته ورونقه وتمنعّه في دلال، والإفصاح عن فاكهة الحكاية في النّهاية…
العنوان: اللّيلة الفارقة، كعتبة من عتبات النّص، وفضاء موازي للمتن، جاء مركّبّا نعتيّا، مترجما وحاملا لإيقاع النّص سواءً منه الدّاخلي أو الخارجي انسجاما واتّساقا من حيث الثّنائيّة والمفارقة والإشكاليّة والمخاتلة حمّال أوجه ودلالات فارقة تفرق بين ضياء انبلاج الصّبح، وعتمة حلول ظلام، بين وضوح وغموض، بين مسموع وغوغاء، بين حقّ وباطل، بين بياض وسواد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سهيلة بن حسين حرم حماد
الزهراء /تونس في 20/ 03/ 2020