القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

على مائدة شاعر:الشاعر ابو الفضل البصري/ بقلم: يزيد رزيق

على مائدة شاعر :
شاعرنا العربي الأصيل ابوالفضل البصري صالح بن عبدالقدوس بن عبدالله بن عبدالقدوس الأزدي الجذامي العباسي من الشعراء المخضرمين إذ كان مولده في زمن الدولة الأموية ووفاته في زمن الدولة العباسية التي قتلته وإليها ينتسب.
كان مولده بالبصرة في العراق ونشأ بها وتعلم في كتاتيبها العلوم الدينية والعلمية، وقد برع في السعر، وكان في شعره يميل الزهد في الدنيا والحكمة ويدعو إلى ترك الدنيا مباهجها والعمل للاخرة والحذر من هنات اللسان وسقطاته، وتلون الأصحاب والأصدقاء، ومن تغير الحال،
وأكثر في شعره من ذكر الموت والفناء، الدعوة إلى مكارم الأخلاق والحث عليها، والخوف من الله والرجاء فيما عند الله من خير في الآخرة.
استمع إليه يقول :
يَشقى رِجال وَيَشقى آخرون بِهِم
وَيَسعَد اللَهِ اِقواماً بِأَقوامِ
وَلَيسَ رِزق الفَتى من لُطف حيلَتِه
لكِن حدود بِأَرزاقِ وَأَقسامِ
كَالصَيدِ يَحرمه الرامي المجيد وَقد
يَرمي فَيَرزُقُهُ من لَيسَ بِالرامي
وقد اشتهرت للشاعر قصائده العظام وإليه ينسب هذا البيت والذي طار به الركبان..
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
رغم أهمية البيت الذي يليه ولكن الناس لم تعره بالا:
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
وقد ذكره الثعالبي في كتابه "لباب الآداب " وقال عنه : كل شعره حكم وأمثال.
قال عنه الخطيب البغدادي شعر صالح بن عبد القدوس كله حكم وآداب،وقال عنه ياقوت الحموي:كان حكيم وأديب ،وفاضل وشاعر مجيد، فإذا سمعت شعرًا، ولا تعرف من قائله وتعجبت من جمال حكمه وقوة تنظيمه وعند مراجعته تجده الشاعر صلاح بن عبد القدوس.
قال عنه ابن معتز: تكون أشعاره كثيرة، فهي موجودة عند كل الناس.
ويقول ابن الأثير في تاريخه: "كانت تلك التهمة الزندقة في زمنه وسيلة للايقاع والانتقام" وقد اعدم العديد من الشعراء والمفكرين بتهم ظنية تقوم على الوشايات الكيدية الكاذبة، يروي ابن القارح في رسالته الى ابي العلاء المعري: "أحضر الخليفة المهدي- صالح بن عبد القدوس واحضر النطْع والسيافَ، فقال صالح: عَلامَ تقتلني؟ فاخذ غفلته السيافُ فاذا راسه يتدَهدأُ على النطع،وفي هامش "رسالة الغفران" التي حققتها بنت الشاطيء الدكتورة. عائشة عبد الرحمن يذكر ان "المهدي" نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وُصلب بضعة ايام ثم دفن، ويظل سؤال بن عبد القدوس: علامَ تقتلني ؟! عالقاً في الاذهان وشاخصاً في صفحات التاريخ المشوهة والمخفية ليومنا هذا.
وتنسب القصيدة الزينبية للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عدة مصادر، بينما يرجح الكثير من رواة الشعر ومؤرخي الأدب نسبتها إلى الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، وإن وردت في ديونيهما معا مع تفاوت طفيف، أولا لورود اسم علي في ختام قصيدة.
وثانيا لورود أسماء لم تكن في عصره، كشخصية أشعب الذي عاش بعده بقرن ونيف، والأكيد انها مجمعة من عدة مصادر أدبية، ولا نكاد نجزم أنها لشاعر واحد.
وتقع القصيدة الزينبية في خمسة وستين بيتا، وسميت بالزينبية نسبة لمطلعها حيث يرد اسم زينب، ولا نعرف من هي زينب التي ذكرها الشاعر
صرمت حبالك بعد وصلك زينبُ
والدهرُ فيه تصرمٌ وتقلب
نشرت ذوائبها التي تزهو بها
سوداً ورأسُك كالثغامة أشيب
واستنفرت لما رأتك وطالما
كانت تحن إلى لقاك وترغب
وكذاك وصلُ الغانيات
فإنه آلٌ ببلقعة وبرقٌ خلب
فدع الصبا، فلقد عداك زمانه
وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشبابُ، فما له من عودةٍ
وأتى المشيبُ، فأين منه المهرب
دع عنك ما قد كان في زمن الصبا
واذكر ذنوبك، وابكها يا مذنب
واذكر مناقشة الحساب، فإنه
لا بد يحصى ما جنيت ويكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه، وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلب
كل بيت قاله الشاعر العباسي صالح عبدالقدوس يعادل قصيدة لما فيه من خلاصة التجارب والحكمة والرأي السديد.
ومن القصيدة الزينبية الخالدة للشاعر العباسي تاخذ عليك مجامع عقلك لاحتوائها على مشاهد ومعلم واضحة جلية للعقل المجرب...
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها
دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا
أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ
حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا
ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها
بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً
ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ فإنـهُ
مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا
مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ
إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا
إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ
واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ
فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ
منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً
فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً
فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ
حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ
وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ في الرِّزقِ
بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ
إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
ومن قوله قصيدة عن الإخوان :
تخير مِن الاِخوان كُل اِبن حرة
يَسرك عِندَ النائِباتِ بَلاؤُه
وَقارِن اِذا قارَنت حراً فَإِنَّما
يَزينُ وَيُزري بِالفَتى قُرناؤُه
حَبيباً وَفياً ذا حِفاظ بِغيبَة
وَبِالبِشرِ وَالحُسنى يَكونُ لِقاؤُه
اِريب اِذا شاوَرت في كُل مُشكل
اِديب يَسوء الحاسِدينَ بَقاؤُه
وَلَن يَهلك الاِنسان إِلا اِذا اِتى
مِن الأَمرِ ما لَم يَرضَهُ نصحاؤُه
تمسَّك بِهذا إِن ظَفَرت بِوُدِّه
فَيهنيكَ مِنهُ وده وَوَفاؤُه
اِذا قَل ماء الوَجهِ قَل حَياؤُهُ
وَلا خَير في وَجه اِذا قَل ماؤُه
اِذا المَرءُ لَم يَصحَب صَديقاً مُوافِياً
عَلى ايِّ حال كانَ خابَ رَجاؤُه
وقال صالح عبدالقدوس في طلب العلم:
العلم زين وَتَشريف لِصاحِبِه
فَاِصلَب هَديت فَنون العِلم وَالادبا
كَم سيد بَطل آباؤُه نَجب
كانا رُؤوساً فَأَمسى بَعدَهُم ذَنبا
وَمُقرِف خامِل الآباء ذي ادب
نَل المَعالي وَالآداب وَالرُتبا
لِلعِلمِ كنز وَذُخر لا تعادِله
نِعم القَرين اِذا ما عاقِل صحبا
اضحى عَزيزاً عَزيز القَدرِ مُشتَهِراً
في كُل مَنزِلَة قد حَل مُحتَجِبا
لا خير في مَن لهُ أَصل بِلا اِدب
نالَ المَعالي وَالاِموال وَالنَشبا
يا جامِع العِلمِ نعم الذخر تجمعه
لا تعدلن بهِ دراً وَلا ذَهبا
أَشدد يَدَيك بِهِ تَحمد مغبته
بِهِ تَنالُ الغِنى وَالدينُ وَالحَسَبا
قَد يَجمَعُ المَرءُ مالاً ثُمَّ يَلبَسَه
عَما قَليل فَيَلقى الذل وَالحَربا
وَجامِع العِلمِ مَغبوط بهِ أَبداً
فَلا يُحاذِر مِنهُ الفوتُ وَالسَلبا
ومن أقواله في الحكمة التي تسير مع الركب نحو:
ومن الرجال إذا استوت أحلامهم
من يستشار إذا استشير فيطرق
حتى يجول بكل واد قلبه
فيري ويعرف ما يقول فينطق
وإن امرؤ لسعته أفعي مرة
تركته حين يجر حبل يفرق

قطرات قلم /يزيد بن رزيق