القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

دوافع تأليف كتاب : على هامش السيرة، وكيفية نشره: بقلم الناقدة د. زهرة سعدلاوي

دوافع تأليف كتاب : على هامش السيرة، وكيفية نشره: بقلم الناقدة د. زهرة سعدلاوي

هذا عمل كنت أعددته للحصول على شهادة الكفاءة في البحث منذ سنة 1985، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات عدت إليه عزما مني على نشره، ولكن ومنذ تلك المدة لم أنجز ما تعهّدت به على نفسي، ولم أجتهد في تسليمه إلى الأستاذ رشيد القرقوري للاطلاع عليه عندما حدثته عنه.
هكذا أنا أتباطأ في إتمام أي عمل أريد التخلّص منه وكأنني لا أريد أن أقتل الفعل بإتمامه كما ذهب إلى ذلك المسعدي في هذا المعنى.
سأقسّم الفصل إلى جزئين وبعدها سوف أودع الكتاب وهو متوسّط الحجم للنشر، لأنّني أردت الإبقاء على العمل كما جاء في مذكّرة الشهادة إلا من بعض التّدقيقات.
فقرات من الفصل الثاني: دوافــــــــعُ تـــألــــــيف كـــــــــــــتاب “على هامـــــــــــــــش السّــيــــــــرة”، وكيــــــــــفيّـــــة نشـــــــــــــرِه.

1-
على هامش السّيرة”، عنوان استوحاه طه حسين من كتاب المؤلف الفرنسي ” جيل لومثر”(Jules Lemaitre) صاحب كتاب على هامش الكتب القديمة (1) .
ظهر الجزء الأوّل من الكتاب سنة 1933 في حجم متوسّط لا يتجاوز المائتي صفحة. وهو جزء لم يتجاوز فيه المؤلف الفترة الأولى لطفولة النبيّ المنتظر، إلاّ أنّه أشار حين أصدره إلى أنّ هذا الجزء متبوع بفصول أخرى يرجو أن تُنشَر بعد حين، وذلك استجابة للإعجاب الذي لقيه فصلان من الجزء الأوّل المنشور في مجلّة الرّسالة في 15/02/1933
و11/12/1933. وفي المجلّة ذاتها نشرت ثلاثة فصول من الجزء الثاني من الكتاب نفسه السّنة 15/11/1933 و 01/02/1933.
أمّا الفصل الثالث من هذا الجزء فقد نشــــــــره في 15/04/1935 (2) و لعلّ هذه التواريخَ المُتقطعة و المُتباعدة نوعا ما في التّواتر الزّمني تجلب انتباه القارئ، وتشدّ الباحث وتجعله يحتار في أمر هذا التّقطع الزّمني، وفي هذا المعنى يقول: “صبانغ” وهو صاحب تأليف عن صورة محمّد رسول الله عند الكتّاب المصريين المُحدثين: ” إنّنا نلاحظ تقطّعا في عمليّة نشر الكتاب
و نقف منذ البداية على غياب مشروع ترجميّ عامّ، فنحن نرى المؤلف يَتَكلّم عن مجموعة فصول، ولكن يكفي أن يصدر الجزآن مستقلين الواحد عن الآخر ليتأكد لدينا غياب هذا الرّابط العضوي بينهما شرطا لازما لمثل هذا الكاتب المتعلّق “بالسيرة”؟(3)  وبعد، ألم يُؤلّف الرّجل كتبا أخرى في نفس الفترة التي صدر فيها الجزء الأوّل من كتابه: “على هامش السيرة” و إن وُجدت فما هو السِّياق الذي جاءت فيه؟
كان طه حسين في المدّة التي يصدر فيها كتابه “على هامش السيرة” بمختلف أجزائه يصدر كتبا أخرى مُختلفة عنه موضوعا، وإن لم تختلف عنه غاية وهي مؤلفات في الأدب والنّقد، والرِّواية، نذكر منها على سبيل المثال:
  • ” في الصيف” وقد صدر سنة 1933، كذلك صدر في نفس السنة تقريبــا كتابـــه :
  • “من حديث الشّعر والنّثر” و إن نشرت معظم فصوله في دوريات كالمقتطف والسياسة ما بين سنوات 1931 –1933.
  • ” الحياة الأدبيّة في جزيرة العرب” سنة 1935.( أعيد طبعه سنة 1952) على أنّه فصل واحد من كتاب “ألوان”.
  • و” من بعيد” صدر سنة 1935.
أمّا في الأدب الرّوائي فقد أصدر “أديب” سنة 1935، وكانت قد ظهرت صفحات منه في مجلّة ” الرّسالة” 01/03/1933. وهو الفصل الذي يلي الفصل الأوّل من كتابه ” على هامش السّيرة”، و لعلّ هذا يعود إلى مكانة الكتاب في نفس صاحبه: ” إنَّ الكتاب الذي أحبّه وآثره لا يُعجب النّاس وهو كتاب ” أديب” و إعجابي به يرجع إلى أنّني وضعت فيه كثيرا من شؤون حياتي” (1) .
ألا يكون هذا التزامن بين هذه الكتب، وكتاب على ” هامش السيرة” مقصودا من المؤلف؟
ولعلّ الجواب يَتيسّر لنا عندما نحدّد أهداف المؤلف من خلال المقدّمة التي صدّر بها كتابه والتي جاءت في ثماني صفحات، وفي هذا المعنى يرى جعفر ماجد” أنّ من عادة طه حسين في تقديم كتبه أن يفاجِئ قارئَه بكثير من الهدوء واللاّمبالاة كأنّ الكتابة عرضت له عرضا دون أن يسعى إليها أو يوليها كلّ جهده، واهتمامه، وقد يرى بعض النّاس في ذلك تواضعا لا داعي إليه، و يراها غيرهــم طريقــة ذكيّــة في التصــدّي للنّقــد و هرُوبا من المُواجهة(2). وأنّها فعلا طريقة في التصدّي للنّاقدين والهروب من المعترضين والمحافظين إلى أن تظلّ السيرة مصدرا من مصادر التراث الإسلامي الخالد، نعود إليه لنعمل فيه العقل فنُكَذِّبُ ما هو باطل
ونؤيّد ما هو صحيح بالحجّة، والبراهين حتى نؤرّخها تأريخا صحيحا ثابتا.
والسّيرة من هذه الوجهة قد نالت حظّها، لذلك نرى المؤلف يخرج من الجماعة بكلّ رصانة واتّزان ليعرض عليهم صورة غير تلك الصورة آلتي ألِفوها : ” هذه صحف لم تكتب للعلماء و لا للمُؤرّخين، لأنِّي لم أرد بها إلى العلم و لم أقصد بها إلى التاريخ، و إنّما هي صورة عرضت لي أثناء قراءتي للسّيرة فأثبتها مُسْرعا، ثمّ لم أر بنشرها بأسا، ولعلّي رأيت في نشرها شيئا من الخير…”(3)
و لا شكّ من أنّ صاحبنا قصد إلى الأدب حين أخرج السِّيرة من ” مَنطُوقها”  العلمي التاريخي، ولكن أيّ أدب هذا الذي يريده المؤلف؟
إنّ قضيّة الصّراع بين القديم والحديث كانت قائمة الذات في عصر طه حسين، قديم يرى المحدثون أنّه باعد بينهم وبينه الزّمن، و كادت تنقطع بينهم و بينه الصّلات، ولا شيء  يجمع بين أساليب حياتهم وتفكيرهم، وبين ذلك القديم في طباع أهله و أمزجتهم، وواقعهم،  وبين هذا الحديث الذي ” حمل” لهم الحضارة الغربية في أساليبها المُتطوّرة والتي سَهل عليهم أن يفهموها بما تعلّموا من لغات.(1).
إنّ القضيّة ليست سوى إحدى القضايا التي شغلت المؤلف ودفعته إلى أن يقف إلى صفّ القديم  يحييه ويرغب  فيه، وفي جعله يُلاَئِمُ الحديث و يُسايره.
فالأدب القديم ليس أدب عصر أو بيئة، وإنّما هو أدب كلّ العصور وكلّ البيئات وكلّ الأجيال : ” إنّما الأدب الخصب حقّا هو الذي يلذّك حين تقرؤه ، لأنّه يوحي إليك ما ليس فيـــــه، و يلهمك ما لم تشتمل عليه النّصوص ويعيرك من خصبه خصبا، و من ثروته ثروة، و من قوّته قوّة، وينطقك كما  أنطق القدماء، ولا يستقرّ في قلبك حتى يتصوّر في صورة قلبك، أو يصوّر قلبك في صورته، وإذا أنت تعيده على الناس فتلقيه إليهم في شكل جديد يلائم حياتهم التي يحيونها، وعواطفهم التي تثور في قلوبهم، و خواطرهم التي تضطرب في قولهم.
هذا هو الأدب الحيّ. هذا هو الأدب القادر على البقاء ومناهضة الأيّام، فأمّا ذلك الأدب الذي ينتهي أثره عند قراءته فقد تكون له قيمته، وقد يكون له غناؤه، ولكنّه أدب مَوْقُوتٌ يَمُوت حين ينتهي العصر الذي نشأ فيه.(2)
لهذا نرى المُؤلف في مقدّمته لهذا الكتاب يتحدّث عن الأدب العربي القديم وطرق إحيائه أكثرَ ممّا يتحدّث عن السّيرة ذاتها التي استلهمها هذا الكتاب، وهو يشير في هذا إلى الإلياذة التي ألهمت الكتّاب والشّعراء الأوروبيين وغيرهم، ومازالت تُلْهِمُهُمْ ” و توحي إليهم بأروع ما أنشأ الناس من آيات البيان، ولقد كان ” اسكولوس” أبو التراجيديا اليونانيّة يقول إنّه إنّما يلتقط ما يسقط من مائدة “هوميروس” (3).
” وفي أدبنا العربي على قوته الخاصة، وما يكفل للنّاس من لذّة ومتاع، قدرة على الوحي، وقدرة على الإلمام. فأحاديث العرب الجاهلين وأخبارهم لا تكتب مرّة واحدة. ولم تحفظ في صورة بعينها، وإنَّمَا قصّها الروّاة في ألوان من القصص، وكتبها المؤلّفون فـــي صنوف من التأليـف. وقلْ مثل ذلك في السّيرة نفسها، فقد ألهمت الكتّاب والشعراء في أكثر العصور الإسلاميّة، وفي أكثر البلاد الإسلاميّة أيضا. فصوّروها صورا مُختلفة تتفاوت حظوظها من القوّة والضّعف والجمال الفنيّ…”(1)
و يتحمّس طه حسين في نظرته هذه حتى إنّه يرى أن ” لا خير في حياة القدماء إذا لم تُلْهِم المُحدثين و لم تــوحِ إليهم رائعَ البيان شعـــــــرا، و نثرا”(2)
وهكذا وجد طه حسين في السّيرة جانبا أدبيًّا قويّا غنيّا خصبا مُمْتعا خليقا بالإعجاب
وبأنْ يثير في نفوسنا عاطفة قلّما تثيرها خطوب حياتنا المُتحضّرة(3).
لذلك أتاح المُؤلف لنفسه ما يُتيحه كلُّ عمل فنيّ أدبي من تجاوز في التَّاريخ، وحريّة في سرد الحقائق: ” وأحِبُّ أن يعلم النّاس أيضا أنِّي وسّعت على نفسي في القصص ومَنحتها من الحريّة في رواية الأخبار واختراع الحديث ما لم أجد به بأسا، إلآّ حين تتصل الأحاديثُ والأخبارُ بشخص النبيّ، أو ينحُو من أنحاء الدين، فإنّي لم أبِح لنفسي في ذلك حريّة ولا سعة، وإنّما التزمت  ما التزمه المُتقدمون من أصحاب السّيرة والحديث، ورجال الرّواية، وعلماء الدين”(4) .
وذلك إيمانا منه أنّ في السّيرة من الفنّ والأدب والخيال قَدْرَ ما فيها من العلـــم   والبـحث و التاريخ. فهي من الأدب الحيّ المليء بالنَّمَاذج البشريّة الباقي، على مرّ العصور والأزمان. (5)  ” وليس القدماء خالدين حقّا إذا لم يكن التماسُهم إلاّ عند أنفسهم، ولا تعرف أنباؤهم إلاّ فيما تركوا من الدّواوين والأشعار إنّما يحيا القدماء حقا، ويخلدون إذا امتلأت بصورهم وأعمالهم قلوب الأجيال مهما يبعد بها الزَّمن…(6).
” أحبُّ أن يعلم هؤلاء أنّ العقل ليس كلّ شيء يستلهم السِّيرة فيتَّفق فيها مع العقل وما لا يتّفق. والهدف من تأليف هذا الكتاب أن يكون مُقدمة لمحاولات أخرى مُتعدّدة في استلهام الأدب العربي القديم وإعادة صياغته  شعرا و نثرا  كما يفعل الأوروبيون بأدب اليونان  واللاتين.

2-
و ليس من حقّ أحد أن يتّهم الدكتور طه حسين بأنّه أساء إلى السّيرة، كما يمكن أن يتّهمه المُحدثون العقلانيون أَنّه اثبت أخباراً لا يقبلها العقل ولا يرضاها المنطق،  فهو لا يكتب في السِّيرة و لم يكتب في التاريخ. إنه يبدع كتابًا في الأدب.
ونحن نرى أن تفرقة المُؤلف بين العلم والدين، أو بين التاريخ والأدب تتضمّن موقفه من الإيمان الدّيني الذي يراه شأنا من شؤون القلب والمشاعر، والعواطف تحتاج إليه النَّفس في شوقها للكمـــال و حبّــها للخيــر وتطلّعها للمَثل الأعْلى.، حتى لتقتحم في تصوّره العقل و تهدّم حدود المنطق لتصل إليه عن طريق العاطفة وتراه بعين الخيال إذا عزّت رؤيته رؤية العيان.(1)
و بعد، فإنّنا نقف على أهداف أخرى تعليميّة زيادة على ما حاولنا ضبطه من أهداف أدبيه وهو أنّ صاحبنا  ” يريد أن يلقي في نفوس الشّباب استقلال الحياة العربيّة الأولى واتّخاذها  موضوعا قيّما خصبا لا للإنتاج العلمي في التاريخ  والأدب الوصفي و حدهما، ، بل كذلك للإنتاج في الأدب الإنشائي الخالص” وهو يريد ” أن يلقي في نفس الشباب أنّ القديم لا ينبغي أن يُهجر لأنّه قديم، وأنّ الجديد لا ينبغي أن يُطلب لأنّه جديد، وإنّما يُهْجَر القديم إذا برئ من النّفع، وخلا من الفائدة،  فإن كان نافعا مُفيدا فليس النّاس أقلّ حاجة إليه منهم إلى الجديد …(2)
و هكذا تتجلّى الغاية التعليميّة التي قصد إليها المؤلف، والمُتمثّلة في أنّه يدعو إلى ربط الماضي بالحاضر باعتماد أسلوب مُبسّط حتى يستسيغ الباحثون من الشباب تراثنا العربي فيستلهمون نصوصه القديمة ويأخذون منها ما يَصْلُحُ لهذا العصر عوض أن يلجؤوا إلى قراءة الأدب الرخيص الذي يُسيءُ إلى اللغة العربيّة  فتذوب ذاتيّته المتميّزة و ينشر الأدب الغربيّ على حساب الأدب العربي(3).
وهكذا تبدو السّيرة كما أراد المُؤلف قادرة على الإلهام ” نقلّبها من أيدينا فنرى فيها صورة من القديم بأحداثه و شخوصه و طباعه و أحلامه، و نقلّبها بين أيدينا، فنرى فيها صورة من صور حياتنا اليوم بغرائزها و أطماعها و نزواتها و فضولها، و نرى فيها صورة البشر في أدقّ و أوضح ما تكون صورة البشر ينساقون وراء الغرائز حينا و يدفعون عنهم نداء الشّيطان حينا، و يستسلمون لمرّ الحياة وهوان الجسد بعض حين، ثمّ يحطِّمون ” قيود الخضوع والقناعة حين يشاء لهم الله وتشاء لهم أنفسهم أن يحطّموها غير آسفين، إنّما هو حبّ الكمال الإنساني الخالص…(4).
وإن كانت هذه هي الغايات التي دفعت بالمؤلف إلى إملاء هذه الفصول أفلا يمكن أن نذهب إلى أنّ طه حسين عندما صحّ منه العزم على أن يؤلف كتابا عن السيرة ” النبويّة” كأنّه “استجار” بالنبيّ العربي محمد بن عبد الله و قد رحل إليه عبر الزمن فأقام معه مدّة ” يتطهّر” بسرد قصّة  حياته و يستمتع في نفسه بحكاية قصّة جهاده في سبيل الوحدانيّة، و في سبيل الحقّ، و في سبيل الهدى؟ إنّ المعاني تؤلف عندنا افتراضا خطر ببالنا ووجد في العقل، و في النّفس هوى(1).
أما الذي نريد أن نقف عنده فنتبيّنه من خلال ما كتب المؤلف أنّ هذا الكتاب لا يمكن فصله عمّا حدث له في سنة 1926 لأنّها سنة فاصلة في حياة طه حسين الفكريّة و الأدبيّة ” فيها تعلّم الرّجل كيف يَصمت ليُحسِن القول بعد ذلك، ومنذ تلك السّنة زاد الرّجل يقينا بسداد منهجيّته على أن يصرّفها بغير الوجه الذي صرفها به”(2).
إذن أصحيح أنّ كتاب ” على هامش السّيرة” لا يعدو أن يكون صورة نشأت في ذهن صاحبنا و” تخلّجت” في خاطره أثناء قراءته للسّيرة فلم ير بدّا من إثباتها ” مسرعا” كما يقول.
إنّنا نرى غير ما ذهب إليه في كتابه في مثل هذا الموضوع، فالأسلوب “خدّاع تعلّمه الرّجل بعد التّجربة القاسيةّ التي مرّ بها، فاعتمده ليبرّر ساحته من تهمة  الإلحاد التي وجّهت إليه حتى يَأْمَن في الآن نفسه جانبا من ناصية العداء والذي حكم عليه بالمروق، فأراد في الحقيقة أن يعود إلى الكتابة بمثل هذا النّوع الجديد ليكْسَب الرأي العام المُتديّن و يثبت للجمهور في مصر، أو في غير مصر أنّه حسن الإسلام، جيّد المعرفة بتاريخ النبيّ العربيّ، بل إنّ معرفته بتاريخ السّيرة النبويّة أعمق من اطّلاع الذين نصّبوا أنفسهم أيِمّة في الدّين و الذّود عنه.
فالمُطّلع على كتاب طه حسين يرى أنّه يستحيل على الباحث أن يفصله عن القضيّة التي آثارها مؤلَّفه” في الشعر الجاهليّ” لأنّها قضيّة تأثّر بها المؤلف عميق التأثّر ولعلّها قضيّة” غيّرت حياته الفكريّة تغييرا.
” فطه حسين في هذا الكتاب لم يتراجع عن موقفه الذي اتخذه في كتابه ” في الشّعر الجاهلي”، بل يضيف إلى الأدب الحديث طريقة أخرى من طرق معالجة الأدب القديم، ويدافع دفاعا رائعا عن حريّــة الرّأي و العقل، و حقّ النّاس في أن يتّخذوا من المواقف و يعتنقوا من الأفكار والعقائد ما يطيب لهم.
في هذا الإطار ُيهاجم طه حسين الاستبداد وضيق الأفق، وجمود التفكير، وتنصيب الحكّام  أنفسهم أوصياء على النّاس (فيشنّ عليهم) هجوما عنيفا لا نظنّ إلاّ أنّه ردّ غير مُباشر على أعدائه المحليين و الجامدين(1). و لا يعتبر مقاله الشّهير الذي عنوانه” الأدب العربي بين أمسه  وغده”(2) إلاّ أصلا لهذه النّظرية. فالظاهرة التي يمتاز بها أدبنا والتي تمكّننا من درسـه،  وتتبّع أطواره، هي أنّه قديم جدّا وحديث جدّا، قد اتّصل قديمه بحديثه اتّصالا مُستقيما لا انقطاعَ فيه، ولا التِواءَ. ففيه خصائصُ الآداب القديمة، وفيه خصائصُ الآداب الحديثة، وفيه ما يُمْكننا من استخلاص حديثه من قديمه وما يُغنينا عن كثير من الفروض”(3)، ثمّ نحن لا نراه في مُقدّمة الجزء الأوّل من حديث الأربعاء إلاّ واحدا من أولائك الذين تهمّهم حماية الثقافة العربيّة القديمة، فيعملون على فهمها  وتقريبها إلى قلوب النّاشئة والمتأدّبين يقول في هذا المعنى: ” ونحن لا نحبّ أن يظلّ الأدب القديم في هذه الأيّام، كما كان من قبل، لأنّنا لا نحبّ  القديم من حيث هو قديم، ونَصْبُوا إليه مُتأثرين بعواطف الشَّوق والحنين، بل نحبّ لأدبنا القديم أن يظلّ قواما للثقافة، وغذاء للعقول، لأنّه أساس الثقافة العربيّة، فهو إذن مُقوّم لشخصيتنا، مُحقق لقوميّتنا، عاصِم لنا من الفناء في الأجنبي، مُعين لنا أن نعرف أنفسنا…(4)
يُعتبــــــــر هذا الكتــــــاب في نهايــــــة القول جزءا في سيــــاق ” برنامـــج ثقافـــي”، و” منهجيّة فكريّة”، وقد يكون ذلك  في سياق نضال حضاري، لذلك لم يكن تأليفه عفوا، ولم تكن كتابات طه حسين في  الأصل اعتباطا، إنّما هي في رأينا صيغة جديدة مَرِنة يُواصل بها أديب مصر تجديد الفكـــر و تغيير المفاهيم .

  • Jules Lemaitre: “En marge des vieux livres” ES Sabanegh Muhammad” le prophète” Portraits – contemporains 225.

(2)  أعلام الأدب العربي المعاصر: ص. 86.
(3) E.S.. Sabanegh – chapitre   La 3ala hamish AL- SIRA un ressourcement culturel et religieux p. 226
(1)   سامح كريم في كتابه: ماذا  يبقى من طه حسين ؟، ص. 125.
  • مجلة الحياة الثقافيّة 1980 عدد 7 – مقال عن طه حسين للأستاذ جعفر ماجد، ص.32
تعليق: يرى الأستاذ جعفر ماجد في المقال نفسه أن ” هذا التحدّي الهادئ البسيط الذي لم يألفه الكتّاب العرب منذ الجاحظ هو سرّ من أسرار طه حسين، و دعامة من دعائم منهجه في الكتابة. ” نفس الصفحة 32.
(3)  طه حسين: مقدمة على هامش السيرة الصفحة الأولى .
(1) جاء مجمل هذا القول في مقال ” الأدب العربي بين أمسه وغده كتاب “ألوان” – طه حسين.
(2) طه حسين على هامش السيرة –ص-9.
(3) م ن، ص-ز.
(1) المصدر السابق –ص-ح
(2) المصدر السابق –ص-ح
(3) جاء مجمل هذا القول في كتاب “ألوان” الأدب العربي بين أمسه و غده”
(4)  المصدر السابق ص.ك.
(5) فاروق خور شيد : محمد في الأدب العربي المعاصر،ص.78.
(6)  طه حسين : على هامش السيرة” المقدمة،ص-ح.
(1) أحمد عبد المعطي حجازي، محمد و هؤلاء –ص-65.
(2)  طه حسين، على هامش السيرة – المقدمّة ص- ط-و-ي.
(3) أحمد الحمروني : مجلّة الهداية –ص59.
(4) ” فاروق خور شيد” محمد في الأدب المعاصر
(1) حسب ما يرى الأستاذ المنجي الشملي في ندوات البحث التي يشرف عليها يوم السبت.
(2) انظر مقال الأستاذ المنجي الشملي : حوليات الجامعة التونسيّة ص 19 – و في هذا المعنى يقول أحمد عبد المعطي حجازي:” يبدو أن محنة طه حسين “في الشعر الجاهليّ أضرمت فيه روح الثورة على أصحاب السلطات و أهل التزمت و الجمود، و قربت ما بينه و بين حزب الوفد الذي كان يضمّ أغلبية الجماهير و يتحدّث… بلسانها، فكتب في صحف الوفد ورأس تحرير جريدة ” كوكب الشرق” عندما خرج من الجامعة        و مازالت علاقته بالوفد تنمو حتى اختاره النحاس باشا وزيرا للمعارف في آخر حكومة وفديّة لكي يطبّق دعوته إلى مجانيّة التعليم. ” محمد وهؤلاء”ص.68.
(1) نفس المرجع ص 67
(2) نشر طه حسين هذا المقال أولا  في مجلّة الكتاب المصري ثمّ أثبته في كتاب “ألوان”
(3) ويواصل المقال حاثّا على ضرورة إحياء الأدب ، متفائلا بمستقبله انظر ص 32.
(4) طه حسين : حديث الأربعاء : مقدمة الجزء الأوّل. ص13. تعليق : و مقدّمة الكتاب حافلة بهذه المعاني و غيرها نقف فيها أيضا على نزعته التعليمية التي لاحظناها في كتابه” على هامش السّيرة إذ يقول ” و نحبّ أن يظلّ أدبنا غذاء لعقول الشباب، لأنّه فيه كنوز قيّمة تصلح غذاء لعقول الشباب”.ص
13.

دوافع تأليف كتاب : على هامش السيرة، وكيفية نشره: بقلم الناقدة د. زهرة سعدلاوي
 الناقدة د. زهرة سعدلاوي