القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

دراسات: الناقد المصري : محمد السيد ابو صالح..وقراءة لقصيدة "زورق الليل للشاعرة نجاة الماجد"




قراءة لقصيدة "زورق الليل للشاعرة نجاة الماجد"
…………….
القصيدة:

يـــا لــيـلُ أنّـــى لـلـجـمالِ الـبـادي …
فــــي بــــدرِكَ الــوضّــاءِ والــوقــادِّ

لــمّـا تـــراهُ الـعـيـنَ تـلـبـسُ حُــلَّـةً …
مُــــزدانـــةً بــجــواهــرِ الأعـــيـــادِ

أحـداقُـهـا صــوبَ الـضـياءِ تـوجّـهت ..
. والــجفنُ صــــارَ كـــزورقٍ مُـنـقـادِ

ترمي شِباك العين في بحرِ الدُّجى ..
هــيــمــانـةً بــــالـــدُرِّ كــالــصــيـاد

مــــا ضــرّهـا ذاك الــظـلام وإنَّــمـا …
قـــال الـمـسـاء لــهـا إلـيـكِّ ودادي

وخُـــذي الـنـجـومَ الـنـيّراتِّ عـطـيةً …
كـي يـستحيل إلى الضياء سوادي

مـثل الـلظى لـولاهُ ما كان انتشى …
طــيــبُ الــبـخـورِ ونــــدّةُ الأعـــوادِ

فــكـذلـك الــلـيـلُ الـبـهـيمُ بــدونِـهِ …
مـــا بــانَ نــورُ الـبـدر فــي الأبـعـادِ

إنَّ الــظـلامَ عــبـاءةٌ مـــن خـلـفِـها … 
بــدرٌ جـمـيلُ الـوجـهِ فـوقَ الـعادي

عـيـنايَّ حــارت فـي بـديعِ صـنيعِه … 
فـبـقـيتُ فـــي أرقٍ بــدونِ رُقــادي

أتــأمـلُ الــبـدرَ الـمُـضـيءَ كـأنـنـي …
أُفــضـي إلــيـهِ بِـمـا يُـكِـنُّ فــؤادي

وأظــلُّ أسـبـحُ فـي الـدُّجى تـوّاقةً … 
نــيـلَ الـمـعالي والـمُـنى ومُــرادي
************************************************
القراءة

لوحة شعرية فنية رائعة يتخللها الايقاع الموسيقي تلهم المشاعر والوجدان لشذى المحبة تنهل شذرات القلب لتتعجب من الليل والجواهر والبدر الجميل والحلة التى ترتديها العين معطيات جميلة تسبح في دجى الليل لتوهب الضياء الذى يؤدي إلى جزيرة العشق والأحلام لتبين لنا أن الشعر ماهو إلا عملية إبداع وتذوق جمالي لأحداث توافق وإرضاء نفسي ونلاحظ ان لغة القصيدة تظهر من خلال الكلمات في تركيبة جمالية ذات طاقة انفعالية تتمثل بين المعنى والعقل والمعنى والتخيل وغاية المحاكاة وتظهر لنا الشاعرة الفاضلة نجاة الماجد أن غاية المحاكاة للأبيات هي تحريك النفس واثارة العجب ووصلت إلى توكيد المشاركة الوجدانية بين القصيدة والمتلقي وهذا هو هدف الشعر ونحن أمام حالة شعرية تنبع من اعماق القلب للمعاني الموحاة والصورة الشعرية مليئة بالتركيبات اللغوية وتدل على ايضاح المعنى وتأكيده فى ذهن القارئ فقصيدة زورق الليل دفق شعوري فياض ينبثق من التركيب الفني للإيقاع الموسيقي هنا اللغة لها اهمية بالغة في اظهار المعنى ويدل على تمكن الشاعرة من اللغة العربية وإمتلاكها ايقاع موسيقى رفيع المستوى ومفردات جيدة تخدم القصيدة ونحن أمام تجربة شعرية صادقة تحمل رسالة هامة في طياتها الليل وما فيه من غرائب وعجائب وجمال البدر والنجوم . 
والجميل أن القارئ يستشف تفاصيل اللوحة الفنية من خلال النظر فى استخلاص دلالات الصور. القصيدة تحمل نبرة تأملية خطابية رائعة وأول مقطع من القصيدة بدأتها الشاعرة بأسلوب النداء والتعجب من الليل والبدر الوضاء :
((يـــا لــيـلُ أنّـــى لـلـجـمالِ الـبـادي …
فــــي بــــدرِكَ الــوضّــاءِ والــوقــادِّ))

واستطاعت أن تشد انتباه القارئ لكل اجزاء القصيدة حيث أحكمت الوزن والقافية وانسابت هادئة إلى عمق قلب المتلقي . 
يقول ابن رشيق : (( إن الشعر كالبحر أهون ما يكون على الجاهل وأهول ما يكون على العالم وإن أتعب اصحابه من عرفه حق معرفته ))
.. وهذه القضية يلزمها الدراسة السيميولوجية التي تحتاج تعدد الشرح من وجهات نظر متعددة وتأخذنا القصيدة الى المدرسة الجشطالتية ذات المنهج التحليلي النفسي وتحتوى على عدة محاور منها تصوير الجمال الطبيعي المتمثلة في الليل والعيون والنجوم والجواهر والأضواء والبدر ومحور التأمل في عظمة الخالق رب العزة لهذه الطبيعة الخلابة والليل الهادئ الجميل والمزين بالأنوار والجواهر ففي قولها
((عـيـنايَّ حــارت فـي بـديعِ صـنيعِه … فـبـقـيتُ فـــي أرقٍ بــدونِ رُقــادي))
انظر إلى درجة الحيرة في صنع هذا المشهد المبدع من صنع الخالق عز وجل وكذلك محور الارتياح النفسي للوحة الفنية الشعرية لمشهد الليل بديع الصنع قصيدة من الشعر الاصيل لصدق التجربة فيها الأخيلة والتعابير ما بين رمزية وسريالية تدور حول عواطف الطبيعة والجمال والشاعرة هنا تـأخذنا إلى الشعر العمودي أساس الشعر العربي ولم لا وهي من البيئة العربية الاصلية التي ولد فيها الشعر الفصيح والعمودي أصل اللغة العربية وأصل كل انواع الشعر ما بين ((شعر حر وعامية وشعر القصيدة النثرية …..الخ )) شعرها فيه الصدر والعجز ويخضع الى قواعد الخليل ابن احمد الفراهيدى المقفى_ الموزون الذى يؤثر في السامع بالإيقاع والصور والمعاني والأخيلة ويقوم على اللفظ والوزن والمعنى و القافية وهو من ارقى الشعر العربي وهنا يقول ابن خلدون في مقدمته ((كلام مفصل قطعا متساوية في الوزن متحد في الحرف الاخير ….)) وختمت القصيدة بختام رائع حيث تقول على ما يكن فؤادها من معانى سامية يشعر بها قلبها المرهف الحس والمشاعر للوصول للمعالي وتحقيق الامنيات السعيدة خلال سنابل الليل الهادئ بصوره ولوحاته الجميلة

(( وأظــلُّ أسـبـحُ فـي الـدُّجى تـوّاقةً …
نــيـلَ الـمـعالي و الـمُـنى ومُــرادي))

ولم توفق الشاعرة في إيجاد بعض الصور التقليدية من الطبيعة ولم تنسج صور اضافية من مخيلتها مستحدثة وشاعرتنا تنهج في طريق الشعر الفصيح مع كبار شعراء العرب ونجد أن الشاعر محمود عباس العقاد لم يقتنع إلا بالشعر الفصيح وكان يقول ناقدا الشعر الحر من اي شيء يتحرر من أصول الشعر ؟؟ كيف يتحرر من الوزن والقافية؟ وتتميز القصيدة بالنزعة الفلسفية وحب الحياة وهى تتوافق مع الشاعرة اللبنانية الطبيبة
((جميلة عبد الرضا )) التي من أهم أعمالها ديوان سبع مرايا لسماء واحدة تكثيف الصور في مشهد يولد الحواس والسكب الوجداني من جدل الطبيعة ويتشابه معها الشاعرة الروسية الشهيرة ((انا اخماتوفا ))من ابرز رموز الشعر الروسي في القرن العشرين ومن ابرز دواوينها المساء والسرب الابيض ….
في حبها لجمال الليل والطبيعة الخلابة . ونستنتج الاتجاه الرومانتيكي عند شاعرتنا الفاضلة التى تجذبنا إلى جمال الطبيعة والليل واسراره وعمق صوره الرائعة ونحيي شاعرتنا التي دخلت الساحة الشعرية التى تنشد لليل في جماله وقصره في العصر الجاهلي مثل عمر ابن ربيعة أو الشكوى من طوله مثل الشاعر امرىء القيس ((الا ايها الليل الطويل الا انجلي ** بصبح وما الإصباح منك بأمثل ))
وطول الليل مثل الشاعر النابغة الذبياني
وظهر ايضا في الشعر الأندلسي الشعراء الذين تغنوا بالليل مثل موشحات ابن ظهر الحفيد فنجده يقول( ياليل طل او لا تطول لابد لي ان اسهرك لو بات عندي قمري ما بتُّ ارعى قمرك)
قصيدة جميلة ابدعت فيها الشاعرة نجاة الماجد اعزها الله وحفظها ونتمنى لها مزيد من التقدم والرقي ..