القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

‏الشعر العمودى بين الأصالة والمعاصرة‬ 1 – أسامة الخولي

 عمود الشعر ما بين الاصاله والمعاصره

اذا كان الشعر هو الكلام الموزون المقفى الذى يحمل فى طياته معنى ويتعاطاه مجموعة خاصة من الناس يسمون الشعراء على حسب ابن منظور فى تعريفه للشعر فان هذا التعريف يعتبر من وجهة نظري تعريفا ناقصا لا يشفى غليل النفس ولا يفتح طاقة النور ليستصئ بها المتعلمون فألفية ابن مالك كلام موزون مقفى يدل على معنى ولكنه قولا واحدا ليس شعرا
اذن التعريف على هذا المنحى ناقص ومبتور
فلو كان الكلام الموزون المقفى هو الفصل فيما هو شعر وما هو نثر لتعلم الناس أوزان الشعر وهو علم متاح كأي علم له قواعده وأسسه العلميه ونتائجه المنطقيه واستدلاته وهو أحد العلوم التى انتهت تراكميتها بموت الخليل وتلامذته فنحن لم نر من يستحدث وزنا أو بحرا جديدا عدا المتدارك فاعلن وعلى هذا الأساس يمكن للكثير دراسة هذا العلم وفهمه واستخدامه فشيوخنا الدرعميون يجيدون هذا العلم ولكن لم يدعى أحد منهم انه شاعر لا من قريب ولا من بعيد
ومن حيث كونه انه ذات معنى فالمعانى ملقاة على أرصفة الطريق تتلقفها الألسنة والافئدة ولكن لا يصح كون انها ذات معنى ان ننعتها بالشعر وهنا يحضرني قول الجاحظ فى أبى عمرو الشيبانى حين قال الأخير :
لا تحسبن الموت موت البلى
فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا
أفظع من ذاك لذل السؤال
عندما أعجب ابو عمرو بالبيتين وأمر بكتابتهما
يقول الجاحظ: «وأنا رأيت أبا عمرو الشيباني، وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين في المسجد يوم الجمعة، أن كلّف رجلاً حتى أحضر دواة وقرطاساً حتى كتبهما له. وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعراً أبداً. ولولا أن أدخل في الحكم بعض الفتك لزعمت أن ابنه لا يقول شعراً أبداً».
نلاحظ من حكم الجاحظ أنه كان حريصاً على تأكيد أن مفهوم الشعر لم يكن واحداً عند أهل عصره، فمن الناس من يرى (الشعرية) في المعنى الحكيم والقول الدال، ومنهم من يراها في قوة الطبع والبراعة في التشكيل. والقدرة على تصوير المعاني. والخطأ الذي وقع فيه أبو عمرو الشيباني في نظر الجاحظ هو انطلاقه في حكمه على البيتين من عنصر المعنى.
لكن الجاحظ لا يرى المعنى الحكيم وحده شعراً، فإن المعاني الحكيمة والمواعظ الدالة حظٌّ متاح للجميع، أيّاً كانت أعراقهم وبلدانهم.
يقول الجاحظ: «وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى، والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي والمدني، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النسيج، وجنس من التصوير».
هذا النص يضع بين أيدينا مفهوماً متطوراً للشعر؛ فالجاحظ يفرق بين المعاني الغفل التي لم يصورها الشعر، وبين الشعر الذي يصنع وينسج ويصوِّر. فالشاعر عند الجاحظ صانع ونسّاج ومصوّر.
كما أن المعنى الحكيم عند الجاحظ الذي لا يقدمه لنا تشكيل شعري متميز؛ غير خليق بأن يكون شعراً. ويعني هذا أن ماهية الشعر وجوهره أنه نظام لغويّ خاص، ينبعث عنه معنى لا وجود له إلا فيه؛ والمعنى الشعري من هذه الوجهة ليس المعنى المنطقي العام الذي يحصله الناس من خبرات الحياة.
وهو بذلك يصدر في فهمه للشعر عن تصور جديد للفن الشعري، ليس هو التصور العربي المعروف، الذي يرى في الشعر تعبيراً عن دخائل النفوس.
اذن هنا ينقض الجاحظ هذا التعريف ابتداءا ويلقى به فى سلة المهملات ويعلن رؤية مختلفه تعتمد الشاعرية وانا أري الشاعرية هى الاسفنجة التى تمتص المشاهد اليوميه والحياتية وتجربه الشاعر الذاتيه التى تعتصر هذه المشاهد والتجارب داخل بوتقة الوجدان ثم تستخدم وعاء اللغة المعجمية لإبراز هذه التجارب فى شكل ومبنى لا يقدر عليه سوى الشعراء أصحاب البصيرة
هذه الوجدانية هى التى خلدت بعض القصائد فلا زالت ترتل حتى اليوم
أعنى إننى افهم الشاعرية على انها مرآة الشاعر التى تنطبع عليها الصور ثم تتمحور فى بعد ثالث فقط الشاعر هو من يملك عينا أخرى مغايرة ترى هذا البعد بوضوح وشفافية
مثلا كل الناس يرون القمر جميلا
الا ذلك الشاعر الذى رآه منجلا يحصد الأيام
ذلك ما عنيت به البعد الثالث
وللحديث بقية ان شاء الله
الباب مفتوح للمداخلات والتعقيب
بقلم
أسامة الخولي
‏الشعر العمودى بين الأصالة والمعاصرة‬ 1 – أسامة الخولي Osama.Elkholy