القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

رؤيــــــة : نقدية تنويرية لديوان: سقيفة الفقراء للشاعر والناقد: سيد غيث

المحتويات
    لا يوجد عناوين
 بسم الله الرحمن الرحيم
.
اهلا بكم أحبتي الغوالي مع برنامج ( شاعر وقصيدة )
وحلقة اليوم مع 
((
رؤيــــــة : نقدية تنويرية لديوان: سقيفة الفقراء
))
_____________________________
.
للشاعر والناقد / سيد غيث ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
مقدمـــــــــة :
.
الحمد لله الذي تتم به الامور ... والصلاة والسلام على نبـــي الهــــدى والنــــور .
أما بعد:-
.
يعد شعر التفعيلة تحوّل عميق في البناء الموسيقي للقصـيدة لما حـــــواه من أنماط
للتعبيرات الفكرية والإبداعية.
فمن بين ثانيات الشعر العربي ظهر لنـــا في بدايات القرن الماضي ..لون جديد من
من ألوان الشعر لم يكن موجوداً بالسابق.. ولم يُعرفه شعـــراء العربية وهــو شِعر
التفعيلة أو كما يسمى بالشعر الحر. وهو شعر قائم على تفعيـــلة لا على بحر كامـل
فالبحور الخليلية تعتمد في نظمها على عـــدد من التفعيلات والتـــي تصل فـــي إلى
سبعة تفعيلات فالشعر الحر أو مايسمى بشعر التفعيلة يعتمد على تفعـــيلة واحدة في
نظم قصيدة الشعرالحر مع عدم الإلتزام بطول محد ّد للسطر، فهــي لا تعتمد على
قسمين من الشطرات كالشعر العامودي ولا طول محدد لذا يمكن للشاعر أن يكتب
في السطر الواحد ما يشاء من كلمات حتى في بعض الأحيان يكون السطر ذا كلمة
واحدة فقط ومن هنا تحرر الشاعر من قيود حرف الروي ومن طــول التفعيلات في
قصيدته فاصبح يحوم في سمــــاء الحرية بروائع الكلمات التي ينسج منهــا قصيدته
بعدما تحرر من عبودية الشعر التقـــليدي فخرجت لنا مدارس جديدة متنوعة اثرت
الحركة الثقافية والأدبية وأمتعتنا .
الشعرالحر له أصوله وتقاليده وقيوده التي يجــــب أن يُلتزم بها فالتجديد فــي الشعر
الحر لايقتصر علي الوزن والقافية فحسب، بل اتـــخذ اصحاب هــذه الــمدرسة لغة
جديدة أسموها اللغة الحية، واهتموا بالصور والرموز کما اعتمدوا في بناء القصيدة
علي وحدة موضوعية تتعاون فيها الافکار والمعاني والعواطف والصور والاخيـلة
والجماليات المستحدثة .
وقد تميزت قصيدة الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة، فقد اعتمدت على الوحدة
العضوية، فلم يعد البيت هو الوحدة وإنما صارت القصيدة تشكل كلاماً متماسكاً مما
أدى الى تزاوج ما بين الشكل والمضمون، فالبحــــر والقافيــــة والتفعيلة والصياغة
وضعت كلها في خدمة موضوع القصيدة .
وعليه فقد تغير مفهوم الشعر في العصر الحديث جذريا وجوهريا، فأصبحت دراسة
القصيدة الحديثة وتوضيح بعض جوانبها من الأهمــــية بمكان.. كي يستبين للقــارىء
العربي أهمية العمل الادبي الابداعي والوقوف على جماليات القصيدة .
وأخيرا أقول بأن الابداع مرتبط بالشاعر والابداع الحقيقي أكثر من ارتباطه بالصيغة
والاطار الشعري .
.
.
تقريــــظ :
.
= ((عن جماليات اللفظة المستحدثة في شعر) السماح عبد الله
نحن الأن نقف على ناصية ديوان من أميز دواوين شعر التفعيلة ، لمدرسة مستـقلة
بذاتها وتجربة حياتيه لشاعر كبيرثائر .. تعارك مع الحياة بكل مفرداتها التي شكلت
وجدانه الباذخ فاخرج لنا ديوان يحمل بيـــــن ثنايا صفحاته قصـــائد حبلى بالمــعناة
التي جسدها في قصائده واستخدم صورغاية في الجمال ، مع الدمج بيــن تركيبات
الجمل وهي التي وضعت الشاعر في صفوف أهل الابداع المتميزين حقا .
وتعد الصورة الفنية واحدة من أبرز الأدوات التي يستخدمها الشعـــراء في بنـــــاء
قصائدهم وتجسيد أحاسيسهم ومشاعرهم ، والتعبيرعن أفكارهم وتصوراتهــم بأخيلة
خصبة تحرك في القارىء الأحاسيس والوجدان.. واني أرى أن ( السماح عبد الله )
قد اخذنا من نواصينا الي ما قصد اليه ليشنف فينا الأذان ويسعد على مدى ترانيمه
الوجدان .
ليترك ملمحاً بارزاً في نصوصه الشعرية، لتصبح أعماله التجديدية علامة فارقة
تدلّ على تطور الشعر العربي في عصرنا الاني .
.
= ( النقد التطبيقي لقصائد ) السماح عبد الله ..
إننا بصدد أن نفرق بين النقد والنقد التطبيقي رغم انتسابهما إلى الممارسة النقدية
فإنما لنخص بالذكر ما جاء في ديوان ( سقيفة الفقراء) .. وفيه يحــــــاول الشاعر
عرض النصوص المختارة بعناية فائقة وتطبيق فرضياتها الفنية والفكـــرية عليه
وعرض قدرته البلاغية والعروضية واللغوية في معالجة غريبة من نوعها وهي
الدمج بين السهولة واليسر وبين تقديسه للمفردة العربية المستحدثة .
وواضح أننا نسلط بؤرة الضوء على التطبيق النقدي ، لأن التحليل يفترض إعادة
تركيب النص بعد تفكيكه والتي تعرف بمرحلة الاجتزاء.. فيما يتوقف التطــــبيق
النقدي عند إسقاط القواعد المقررة في علوم البلاغة واللغــة والعروض وسواها
على النص المقروء .
ويجدر بنا في البدء أن نسمي الإطار التاريخي والثقـــافي الذي تشكل فيــــه وعي
الشاعر منذ ثلاثة عشر عاما حيث صدرت الطبعة الأولى من هـــــذا الــديوان في
أبريل من العام 2004 للميلاد (عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضــمن كتاب)
هواء طازج ( وهو يعد من دواوين الشعر التي أثـــرت فـــــي القارىء المصري
والعربي المثقف أدبيا كونه يمس الحداثة بكلتا يداه ليعلن عن مـــيلاد شاعـر مجدد
وضع أقدامه على طريق التميز.. لينهض ببوحه نحو شرفـــات العلا فيطل بأعماله
من نافذة التطور الفكري والحضاري على واقع تجربته الحياتية .
وهنا تخير الشاعر:السماح عبد الله عنوان ديوانه (( سقيفة الفقراء )) ليقول أنه من
صناع هذه السقيفة التي يريد ان يستظل بظلها الفقراء .. فلله دره من شاعـــــر له
احساس مرهف وصل به الى رؤوس الفقراء ليمسح عليها بقصائدة التي وصلـت
الى القلوب قبل ان تصل الى الاذان .
.
ومن بعدها استهل الديوان بثلاث أبيات خالدات.. ( لحافظ ابراهيم )..
.
لم يبق شيء من الدنــيا بأيدينا ** إلا بقيــــة دمـــع فــي مآقيــــنا
كنا قلادة جيد الدهر فانفرطت ** وفي يمين العـــلا كنـا رياحــينا
كانت منازلنا في العز شامخة ** لا تشرق الشمس إلا في مغانينا
.
أحسن الشاعر الاختيار لأبيات ) حافظ ابراهيم( والتي من خـلال معانيها تســتطيع
ان تتكشف الحالة النفسية للديوان .. الذي يئن وجعا ويجري الدمع حقا في مآقيـنا.
= (( الوطنية والعروبة في اشعار )) السماح عبد الله
.
= مختارات من أشعاره :
______________
.
من قصيدة ( خُطُو اتُ الْقادِمْ ) التي كتبت في يوليو من العام 1980م يقول: السماح..
لابد يجيءْ ..!!
كي تتدحرج شمس الحرية في طرقات بلادي
والقمر يضيءْ
لابد يجيءْ..!!
يعطي للفقراء وللجوعى عيدان الحنطةِ
وجلابيب الفرح ةْ
ويُج مّل أحلام الفتياتِ بدقات الطبلةِ
وتزاويق الطرح ةْ
فلتصطبروا يا أبناء بلادي
ولتسترقوا السمع إلى خطوته الدّاقةِ فوق
الجسرْ..!!
يحمل في عينيه أشجار الوعدِ
وفي كفّيه الفجرْ
ويُع بّيء في جيبيه قطعة وقتٍ فرحانٍ
أو فسحة زمنٍ نشوانٍ
أو بضعة أقصوصات للأطفالِ
وحفنة حنّاء للمعشوقات
ويقوم حواليه عطرُ الزهرْ
هو يعرف موعده
أبدا لا يخلفه ..
والظلمات تعالت حتّى ضيّقت الفجوة
بين ترقّبنا ومواعيد خطاهْ
سيهلّ سناهْ ..
يمشي متئدا وبهيّا وعنيدا وقويّا ناحية الوادي
كي تكبر طرقات بلادي ..!!
لكأن الشاعر كانت لديه من الحواس أكثر من الاخرين كونه شاعر له احساسات
بطعم مختلف تنبأ بعصر جديد سيهلّ سناهْ ..
لابد يجيءْ ..
كي تتدحرج شمس الحرية في طرقات بلادي
والقمر يضيءْ..
للشاعروالاديب والمفكر رؤاه الخاصة التي تنبع من فكره الثاقب ونظرته المتفحصة
على الاحداث السياسية والاجتماعية .. لطالما حلم شاعرنا والجميع بهذا الذي سوف
يجيء ..
يحمل في عينيه أشجار الوعدِ
وفي كفّيه الفجرْ
ويُع بّيء في جيبيه قطعة وقتٍ فرحانٍ ..
منتمنيا شاعرنا أن يأتي هذا القادم بالفرحة ليبدل ظلمات تعالت حتى كست الظلمة
سموات الدنيا ليؤكد أنه سيهل سناه ..
والظلمات تعالت حتّى ضيّقت الفجوة
بين ترقّبنا ومواعيد خطاهْ..
سيهلّ سناهْ ..
قد غلبت على هذه القصيدة نفحات الوطنية التي تميز بها شاعرنا حتى النخاع
والاستدلال من أخر سطر في القصيد ضمنه الشاعر بصدق وهو يقول:
كي تكبر طرقات بلادي ..!!
أمنيه لا يتمناها الا شاعر ذاق طعم الوطنبة الحقة .
.
يرتبط النقد بالنص الابداعي فهو محور دراسته ومدار بحثه لياخذ تكوينه الشرعي
في اطاره الصحيح والسليم .. لذا يجـب أن ننظـــر اليـه علـى أنـه ابـداع بالدرجـة
الاولـى.. لنضعه في عين الاعتبارعلى أنه مــــن النصوص الادبية ، وان متــعـة
قراءتها لا تقـل عـن متعة الاعمال التي هي محور الاهتمام ..
كونه من علوم المختصين أصحاب الاقلام والفكر المستنير .
.
من قصيدة (( يا وجع الأُمْنِياتِ الْبعِيدةْ )) إلى سيناء العائدة .. كتبها في أبريل
من العام 1982 م.. يقول :
تعودين..
أعددت با دمي المستباح دهورا
زهورا..
وروَّيتها دمعي الميت المرّ
يا وجع الأمنيات البعيدةِ
يا مهرجان الحنينِ
قضيت حياتي أجمعها من حقول
البنفسج..
والورد..
والفل..
بعدك ما اخضر في الأرض ورد
وفلٌ وما نبتت في الحقول زهور..
في دفقة مطولة كتب السماح عبد الله هذه القصيدة الرائعة في سيناء أرض الفيروز
العائدة ويصعب علينا ادراج هذه القصيدة كاملة في هذه الدراسة لطول دفقتـــها فقد
اطلق شاعرنا العنان ليراعه الخصب الذي سال مداده الي أن توقف عند قسمــه بأنه
يمتلك الوعد .. ويعد ربه .. وأرضه بأنه المخلص المحافظ عليها الي أخــر ما تبقى
من أنفاس .
لناخذ مقتطفات من مقاطع قصيدة (( يا وجع الأُمْنِيا تِ الْبعِيد ةْ )) للشاعر
وهو يقول: ..
سوف أحيل الليالي نهارا مقيما
ونخلا ..
أفيقي ..
وعينيك سوف أشد اخضرارك
سوف أعيد تفتحك المتباعد
سوف أُس وِّي لك الشاي
في قعدات الليالي
الهنية..
وعود غالية يقطعها الشاعرعلى نفسه وكأنه يستقراء كــل أفكـــار ملايين المصريين
محبي هذه الأرض الطاهرة وهو يقول: مستقسما بعينيها الجميلة أن يخــــضر أرض
الفيروز ويزرع في الفيافي قلوبا تثمر زهورا .. ونخلا ..
وسوف يسوي لها الشاي ، وقعدات الليالي الهنية .. ما أروعك من شاعر خادم لبلده
وترابها الندي ..
ويسهب قائلا:
تعودين ..
إني أمتلك الغد
إني أعددت يا دمي المستباح دهورا
زهورا وكحلا وثوبا
وعقدا ..
وأعددت عمرا من الحلم حتى أهاجر فيه
إلى حيث أفراحنا
أنا أعددت قطعة فرحٍ
على قد عينيك..
أعد لها الكثير والكثير من الامنيات .. وعمرا من الحلم ..وقطعة فرح على قد
عينيها بطول امتداد البصر .
ويختم هذا النص الأكثر من رائع وهو القائل:
قد يعجبك ايضا

فهيا أعيدي اخضرار العيون التي ذبلتْ
في انتظارك..
يا وجع الأمنيات البعيدة..
يا قمرا سرقته الخفافيش في ظلمات الليالي
وها هو فوق الروابي
أطلا ...!!
نعم صدق شاعرنا عندما قال: يا قمرا سرقته الخفافيش .. ولكن بشجـــــاعة ابنائــها
وحبهم الشديد لها رجعت سيناء الى حضن الوطن الحبيبه وهي مــــن فوق الروابي
تطل علينا ونطل عليها فرحا بالرجوع المحمود .
.
ولنا أن نعود مرة أخرى مع ابداعات الشاعر: السماح عبد الله.. لنلقي الضوء على
قصيدته التي أسماها (( ا لآخرُونْ )) كتبت هذه القصيدة في العام 1984 م .
يقول فيها:
يمرّون مثل الوحيدين
قدّام بابي ..
ولا يطرقونْ
أربّت ما بي
أصبُّ لي الشاي
أسمع ما يتيسر من عزفة الناي
ثم أضم الكتاب
إلى ركنه ..
وأوسطن زهرية الوردِ بين الأريكة
والشرفة المستطيلةِ
ثم أضيء النيون الحنونْ
وأظل ..
وحيدا ..
يطول بي الليلُ
يأخذني لمداراته
وغواياته..
وعذاب الجفونْ
وهمُ مثل أي وحيد
يمرّون قدام بابي
ولا يطرقونْ ..!!
.
استخدم الشاعرلغة متقنة في بساطة المفردات واستحدث بعضــــها مثل: ( أوسـطن-
زهرية – النيون ) مفردات كانت في وقتها جديدة على اسماع من يستعذبون الشعر
العربي وهو يقول:
وأوسطن زهرية الوردِ بين الأريكة
والشرفة المستطيلةِ ..
ثم أضيء النيون الحنونْ..
فلسفة شاعر وقف على ناصية الكلم فاخرج ابداع ليس بمفتعل بل مقدر له
( ا لآخرُونْ ) هنا هل هم الأطياف أم عابري السبيل أم...؟؟.. أم ...؟؟
لعب الشاعر على وتر الانعزال لدرجة انه في وحدته يقول:
أربّت ما بي ..
أصبُّ لي الشاي
أسمع ما يتيسر من عزفة الناي
ثم أضم الكتاب
إلى ركنه..
سيمفونية هي القصيدة .. وعزف بالكلمات التي حيكت من قماشة حريرية ملمسها
الأحساس الصادق والجماليات المبهرة ليختم قصيدته وهو القائل:
وهم في مرة ثانية ..يمرّون قدام بابه .. ولا يطرقونْ ..!!
ما أحلاها هذه المداعبات العقلية التي يداعب بها الشاعر فكر القارىء ، ويفرض
ثقافته اللغوية والفكرية وهو يقدم درر نصوصة الشعرية التي حـــــــواها الديوان .
.
ومن هنا وهناك ندلف الي صفحات الديوان لنتكشف أن السماح عبــد الله باحساسه
العربي وعروبته التي غلبت عليه نراه كرجل شرقي يستخدم اسم سيدة كي يلـبس
فلسطين ثوب الأنثى التي يعشقها كل عربي وهي فلسطين الحبيبة .
.
من قصيدة (( سيِّدّةٌ اسْمُها فِلسْطِينْ )) التي كتبها شاعرنا في العام 1983م
نقراء في شوق وهو يقول لها :
سيدة ترعى صمت الوقتِ
وتحمل زهر الصبارْ..
تخطو ناحية المقبرة الأولى
وتزينها بالأزهارْ..
وترتل فاتحة القرآنْ
تتجه إلى المقبرة الثانية
وكما فعلت بالمقبرة الأولى
تفعل بالمقبرة الأخرى
والمقبرة الثالثة
والمقبرة الألفْ..
تفعل هذا طول شهور الصيفْ
هي تعرف أن الشهداء
ليسوا موتى ..
ولذا حين تعود مجللة بالمجد الأكبر ناحية الدورِ
تكون مزنرة بالبهجةِ
فالشهداءْ ..
قد صعدوا للملإ الأعلى
كي تبقى هي خالدة كل نهار
يعرفها الباعة والعسس الحارس والتجارْ
ويشيرون عليها لما تطلع كالأشجارْ
سيدةٌ في كامل زينتها
ترعى صمت الوقت
وتحمل ..
زهر الصبارْ .
سيدةٌ في كامل زينتها هي فلسطين تلك الأرض المباركة قد خصها الشاعر بقصـيدة
عشق لكأنه يتغزل بالمحبوبة ويذكر مفاتنها الجميلة وقدسيتها في القلوب ..
ترنم شاعرنا بهذه الأنشودة واستخدم كلمات تنتهي بحرف روي ( لــــراء مسكنه )..
وهذا الحرف له وقع على النفس لنستمع اليه وهو يقول سنظل أبدا أحرار .. وسـوف
يجىء علينا يوم الانتصار.. فقدس الأقداس يئن وجعا في أسره الذي طال ..
يستهل الشاعر قصيدته ويجسد فلسطين على أنها سيدة ترعى وتحمل الأزهار لمـقبرة
الشهداء وتزينها وترتل فاتحة القران .. ما أبدعه من مشهد جنائزي لتكريم الشهـــداء .
وهويقول:
سيدة ترعى صمت الوقتِ
وتحمل زهر الصبارْ..
تخطو ناحية المقبرة الأولى
وتزينها بالأزهارْ..
وترتل فاتحة القرآنْ
ويستانف شدوه في طرب فيقول:
تفعل هذا طول شهور الصيفْ
هي تعرف أن الشهداء
ليسوا موتى ..
ولذا حين تعود مجللة بالمجد الأكبر ناحية الدورِ
تكون مزنرة بالبهجةِ
فالشهداءْ ..
قد صعدوا للملإ الأعلى
كي تبقى هي خالدة كل نهار..
وي كأنه يقسم بأن الشهداء لسيوا بموتى .. مصداقا لقول الحــق أن اللذين قتــلوا في
سبيلة ليسوا أموات بل أحياء عنده خالدون .
ويقول بأن الشهداء من ضحوا بأنفسهم صعدوا للملإ الأعلى وهي سوف تظل خالدة
الي يوم يبعثون .
تدوير التفعيلة واستخدام الأحرف الرنانة له وقع شجــي على الأذن .. فالموسيقى هنا
ظاهرة تعلن عن اقامة عرس جماعي يزف فيه الشهداء الي السماء .
ما أجمل التصوير بروائع الكلمات.. وما أحلى سلاسة العبـــــارات في شعر السماح
عبد الله ..حين يصوغ قصائدة بحرفية شاعر خضـــرم في أســــواق الشعر العــربي .
.
وينتقل بنا الشاعر مرة اخرى الي (( وطنٌ لِلْبُكاءْ )) التي كتبها في يوليو من
العام1983 م.
في تسائل مستمر يسائل الشاعر من المسافر أنا أم الوطن هو الذ هجره وسافر ..؟
أيّنا يا حبيبي سافر..؟؟
حط جناحيه في الريح والريحُ عاتيةٌ
أيّنا يمتطي الآن أحلامه
ويُي مّمُ صوب الكلأْ..
ويقولُ :
سلامٌ بلادا بها شخبطاتُ الطفولةِ
والفرح المرتجأ
ويقولُ :
سلامٌ بلادا بها زقزقات العصافير تشدو
فيضحك هذا الملأ ..
ما أجمل زقزقات العصافير في شدو السماح عبد الله ..فاضحك وأبكــى الوطن
في لغة المثقفين التي هي ما بين الفصيحة والسهل الممتنع مزج الشاعــر قوالب
قصائده واستخلص له قاموس خاص ممتلىء بمفــردات جعــــلت لقصائدة طعم
مستساغ , ونكهة مختلفة تماما .
أيّنا يا ترى خطّفتْه اليماماتُ في مهرجان
الرواحْ..؟
أيّنا شرّبته المواقيتُ طعم الجراحْ ..؟
أيّنا صعّدته الدُّنا د ر ج الزوبان فذاب.. ؟
أيّنا يا ترى ضائعُ
أينا مائتُ ..؟؟
أينا رائحٌ للمصير الخطأ ..؟
***
وطنٌ واحدُ
آه يا أيها الوطن الجرّح القلب
ألقلبُ لما يزل نازفا
هل سوى فرحةٍ
أنت فجّرتها في دمي مرّةً
واحترفت الرحيلْ.. ؟
صراع وتسائل من الشاعر في تكرار مــعنوي يضيف للمعنى الكثير ويجعلك تستمر
في القراءة لتعرف الاجابات .. أينا يا ترى مائت ..؟؟
تسائل مبتكر المائت ما هو بالحي ولا بالمـــيت .. يأخذك الشاعر من تلافيــف العقل
ليضرب بك في جدار الكلمات .. لكأنها صواعق هي وليست مفردات ..
وطن واحد .. هو وطن جريح بالفعل فلا لوم عليه ولكن عندما فجر الوطن فكـــــرة
السفر بداخله .. أدمن السفر واحترف الرحيل منه.. اليه ..!!
والي تحول أخرلمجريات الأمورلهذه الرؤية التنويرية في ديوان (( سقيفة الفقراء ))
للشاعر/ السماح عبد الله .. نقف بالاختيار لا بالترتب على ناصـــية نص أخـــــر عن
بيروت ( هذا القطر العربي الذي ذاق ويلات الحروب هو الأخـــــر.. وحصدت فيه
أرواح .. ومن هنا ياتي تاثير وتأثر الشعراء بالمواقــف الانسانية لتشتعل في القلــوب
الحماسة العربية والوطنية كي تخرج لنا روائع القصائد بأقلام الشعراء الكبار ..
ن بتْ ..!!
بيروت ياجميلة العينين
يا بهية الحدائق..
أنتِ لستِ تُنْبِتين الزهر والأشجار
أنت منذ اليوم تنبتين أطفالا
يشيلون البنادقْ..
ويسلكون السكك المعرجة
ويكتبون تاريخا جديدا
بدؤه الرصاصُ وانتهاؤه الرصاص
ويملأون عينيك الوسيعتين
ويكبرون ..!!
.
من بعد أن كانت أيكات وخمائل هذه البلدة الطيبة الضاربة في الجمال والحسن كما
وصفها شاعرنا وهو يقول:
بيروت ياجميلة العينين
يا بهية الحدائق..
أنتِ لستِ تُنْبِتين الزهر والأشجار
أنت منذ اليوم تنبتين أطفالا
يشيلون البنادقْ..
أصبحت تفرخ أطفالا تركوا الزهر وتحملوا قساوة الحرب وحمـــلوا البنادق الحروب
تميت الجمال .. وتقضي على البرائة والطفولة ..
عروبة الشاعر الذائدة نغصت عليه جنبات حياته فهـــو المهــــموم بالوطـــن الأصغر
والوطن الأكبر .. وهذا دور كل مبدع حقيقي.. عليـــــه أن ينفعل بالأحــداث العربية
فتنصهر خلجات قلبه المفعم بصدق المشاعر لتدخل عليــــنا من الوجدان قبل ان تمس
فينا الأذان .
وأخيرا أتم دراستي هذه بخواتيم الكلم فأقول: لقد وجـــهت بؤرة الضـوء التـي سطعت
بعد تركيزها على بعض النصوص الشعرية لديوان( سقيفة الفقراء) للشــاعر/ السماح
عبد الله.. حتى يتعلم لقاصي والداني فنيات كتابة قصيدة التفعيلة .. واستخــدام اللفـظة
المستحدثة في بناء القصيدة العربية الحديثة .
.
متمنيا لكل محبي الشعر والأدب العربي الفائدة والاستفادة والقراءة الماتعــة لأعمال
المتميزين الكبار.
.
وتحية اجلال لكل من أثرى الحراك الأدبي والفكر الثقافي بكل جديد ومفيد
.

.
بقلمي // سيد غيث ..