القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة في ظل نص : كفك اسطورة تصهل في جسدي للشاعرة العربية نادية نواصر بقلم الناقد : عبد المجيد قنز

منشورات العرين الأبداع والثقافة 



بقلم / الاديب والناقد عبد المجيد قنز 

قراءة في  ظل نص : كفك اسطورة تصهل في جسدي   للشاعرة العربية نادية نواصر 
ملاحظات حول القصيدة للشاعر الناقد : عبد المجيد قنز 
يا شاعري
الريح التي حملت عطرك
لا تشبه رياح الوقت 
وانا الحبلى بك
حد النخاع
وحد اكتظاظ الرحم
لبثت في مسامات جلدك
فلا تسالني كيف  توغلت فيك
ولا تسال راهن  خفقي عن حيلة الخروج
فالروح المسكونة بك
لا تقاطع نبضها في الانسان الا حين تدق اجراس الفناء
لا تسالني كيف غافلت حكمتي وسكنت اوجار ريحك
فالعشق والحكمة نقيضان
ووحده الجنون علاقة متعدية
يا شاعري
لا تحاور معادلتي العصية
فانا مت فيك لاحيا
وسميتك الخارق لتلافيف الروح
القمر المخبوء بين جلدي ولحمي
نجمة الليل وهي تتهجى خفق المساءات
انين العاشقين وهم يرتبون شوقهم تحت وسائدهم
سميتك الشاي المحضر على نار هادئة
كالانتظار الشبيه بالموت البطيء
سميتك سرب الطيور الراقصة في صدري
ليل بلا شوارع
بلا ارصفة
وانا انثى بلا هوية
بلا خطوط
بلا تقاسيم...
وحين خانتني الاسماء
سميتك روحي
ايها المستبد بمدارات  روحي
كيف يمضي المجاز الى مستقره ؟
فانا ما عدت انا...
لا مواثيق تثبتني
لا جدار في الرياح  المسربلة بكينونتها تحددني
فانا فيك
ومنك
واليك
ولك
اني انت...يا اناي
في لحظة  امتزج فيها التاريخ بخطوات ابطاله
واغلق المحضر عند توقيع رسائل ما بعد الساعة الصفر
موعد ميلاد رسائل الشوق المشفرة
تلك المعلقة على حبل الوريد
ايها المربوط الى شجرة روحي باحكام
اني على اجفانك اعيد ترتيب الفصول
1- توطئة 
هي كلمات ليست كالكلمات العادية ، وهي تعابير ليست كالتعابير المألوفة والمعبرة على شوق الحبيب او الحبيبة ، هي قصيدة مركبة توغل في الرمزية الصادقة ، هي احاسيس صوفية تتحكى المكان والزمان وتنسف كل ما هو مادي ، هي بوح نادية نواصر ، الشاعرة الحداثية بلغة عربية فصحى اصيلة ، هي قصيدة نثرية بكل حمالها ....
هي ميلاد رسائل الشوق المشفرة ....
على المتلقي (الديكودور) ان يحل ما أمكن تشفيرها .
يا نادية ...هُزّي اليك شجرة روحك هزا عنيفا يسّاقط عليك تمر المربوط وتتفكك طلاسم رسائل ما بعد الساعة صفر ،.. تقرئينها وتصححين اخطاءها وتحررين المربوط من رباطه ، ثم تكتبينه قصيدة أخرى .
2- ملاحظات تحت ظل القصيدة 
أعتقد ان الشاعرة العربية الحزائرية نادية نواصر في قصيدتها : كفك اسطورة تصهل في جسدي ....قد مالت ميلا حثيثا الى الشعر الصوفي ، فهي تُدبِّجُ تجربة صوفية في نص ذاتي وجداني مستخرج من المدرسة الرومانسية ، وكأني أراها تقارب في نصها الشعري النثري  نص الشاعر المصري محمود حسن اسماعيل من الشعر العمودي :
مزّقي عن وجهك اليانع ، أسمال القناع 
وارفعي الستر ، بلا خوف على أي متاع
زادك النور ، وفي دربك ينبوع الشعاع
فانفذي ... فالسر ان سرت على قيد ذراع
واصرعي الموج ، ولو أقبلت من غير شراع .
تقول نادية : فلا تسألني كيف توغلت فيك 
     ولا تسأل راهن خفقي عن حيلة الخروج
والفعل توغل يفيد الدخول في الشيء من بدايته الى آخره فهو حالة استعمار مطلق للمكان .
ويقول محمود حسن : 
فانفذي... فالسر ان سرت على قيد ذراع 
والفعل نفذ يعني الدخول بعملية امتصاص كاملة في ذات المكان .
فالتوغل والنفوذ يوحيان باتحاد كلي بين جسمين تخلصا من ماديتيهما وتحولا الى نور روحاني . فالشاعرة نادية نواصر وهي في لحظة المخاض قد سافرت في رحلة صوفية توغلت بها الى منعرجات الفضاء الغير منتهي وهي في حالة انتشاء ، لن تعود الى وعيها إلا في حالة الصحو ويقظة اللقاء والوصال .
... انا الحبلى بك حد النخاع ..وحد اكتضاض الرحم ؛ فهل يقبل الرحم في هذه الحالة توأم له ؟ ، امتلأ الرحم ولن تلد إلا هو !!!...
لا تقبل معه آخر ... فهي تحتويه كلية .
لبثت في مسامات جلدك فلا تسألني كيف توغلت فيك ، وهاهي مرة اخرى تسكن مسامات جلده ، فهو يحتويها كلية .
في منطق الرياضيات الإحتواء وعكسه يستلزم تساوي الابعاد الاربعة .
 س  محتواةفي   ص 
             و 
ص    محتواة في   س 
يستلزم ان    س= ص 
وهذا ما يعرف عند المتصوفة بالحلول .
تتوصل الشاعرة نادية نواصر في قصيدتها الى حكمة فلسفية لا يقولها إلا حكيما ارتفعت به احاسيسه الوجدانية الى برزخ العطاء المطلق فتصرح أن : 
العشق والحكمة نقيضان 
ووحده الجنون علاقة متعدية ....
وهنا تحضرني أفعال نساك (متصوفة) الهندوس الذين يرمون بانفسهم في برك الماء الآسن المقدس ويبقون هناك لأسابيع وشهور يتقربون بها الى الرب محبوبهم ، بلا اكل ولا شراب .
هل الحكيم يفعل ما يفعل عباد الهندوس ؟ 
هل العاقل يفعل هذا ؟
بل يفعلها العاشق لمحبوبه وقد يكون الربعند الهندوس ، فالعشق يدفع للحنون اللحظي ، والحنون علاقة متعدية الى فعل اللامعقول والمستحيل .
والروح الساكنة في المحبوب لن ينقطع نبضها إلا حين يموت المُحب .

الشاعرة مهووسة بالشاي الأخضر المحضر على نار هادية ، لذلك تشبه شاعرها  به و بالانتظار الشبيه بالموت البطيء !!
وهي صورة لعمري لا يستطيع الانسان الذي يخاف الموت ان يتوقف عندها ...؟!! أو يستحضر المشهد !!
ثم تعود الشاعرةالى صورة أخرى ومشهد آخر يبعث عن الأمل والترغيب في الحياة الباسمة المنطلقة الى المستقبل السعيد الذي تدب فيه الحياة ...
 حياة اسراب الطيور الراقصة على صدرها...
انشرحت الى قراءة القصيدة وفرحت بهذا المشهد الحي البهيج ....ولكنني أفاجيءمرة اخرى بالتوغل في الالم والجنون، جنون  الهيام والعشق ؛ فالليل رمز العتمة والظلام اصبح بلا شوارع ، ولا ارصفة ، وهي انثى بلا هوية ، وثائقها لن تعد تثبتها ، ضاع منها القارب والمجداف واستسلمت روحها إليه ولم تعد تحدد كيانها وكينونتها فهي 
فيه
ومنه
وإليه
وله
فهي هو ....يا هيّ (إني انت ....يا أناي)....الاحتواء المطلق ....واستسلام العاشق المجنون للحبيب ، هذا الشاعر المجهول الذي لن تصفه الشاعرة ولم تحدد معالمه او شيئا من حوانب شخصيته .
وبعد هذا الجنون الابداعي تستفيق الشاعرة من سكرتها ، فتغلق المحضر وتستريح على اجفانه لترتب الفصول ، وتحدد الزمان من جديد لتبحث على المكان المفضل لها كي تبوح بمشاعر أخرى في قصيدة أكثر رمزية وصدق في الاحاسيس .
ومن يقرا لن
ومن يقرأ لنادية عليه ان يشحذ ادوات قراءته ويتسلح بقاموس لغوي غنّي بالمفردات العربية الغير مستعملة كثيرا والمصطلحات الحديثة .
وان كانت الشاعرة نادية نواصر قد اتجهت اتجاها صوفيا رومانسيا في قصيدتها هذه فانها نهجت نهج العديد من الشعراء الذين وظفوا الخطاب الصوفي ونذكر منهم على سبيل المثال ..بدر شاكر السياب ، ونازك الملائمة ، وعبدالوهاب البياتي ، وغيرهم كثر ...
تقول نازك الملائكة :
أطفيء الشمعة فالرّوحان في ليل كثيف (احتواء وحلول)
يسقط النور على وجهين في لون الخريف
أولا تبصر ؟ عينانا ذبول وبرود 
أولا تسمع ؟ قلبانا انطفاء وخمود
صمتنا ....اصداء ...انذار مخيف 
ساخر من اننا سوف نعود غرباء .

توظيف نازك الملائكة الحلول الصوفي على وحهين في لون الخريف ، وهيام المحب بالمخبوب ؛ هذا الآخر الذي من أجله تذوب الماديات ويشع النور على روحين كانا في ليل كثيف او بهيم ....والمقاربة بين نادية نواصر ونازك الملائكة ان توظيف نادية نواصر حاء في قصيدتها بنفس الدلالات تقريبا :
سميتك الخارق لتلافيف الروح 
القمر المخبوء بين جلدي ولحمي (احتواء وحلول)
الى ان يصل بها الشعور بان الليل بلا شوارع وبلا ارصفة وهي بلا خطوط ولا تقاسيم 
وحين خانتني الاسماء سميتك روحي 
ايعا المستبد بمدارات روحي 
كيف يمضي المحاز الى مستقره ؟
نفس التسائل طرحته نازك الملائكة .....فالشعراء وان تباعدت المسافات الجغرافية والزمانية وان اختلفت الثقافات فمنهلهم واحد ومنبع الشعور واحساساته واحد .
3-الخلاصة 
الشاغرة العربية نادية نواصر ، شاعرة حداثية تستعمل ادوات حادة ومتغيرة توافق العصر والزمكان ، قادرة على استعمال المفردات البسيطة والمعقدةفي آن واحد ، وجملا  يبدو للقاريء انها سهلة وفي متناوله ولكنها عصية عليه حينما يجرب الكتابة .
قصيدتها هذه الروحانية المعبرة عن الذات وعن اغوار النفس وتراكيبها المعقدة والولوع بشاعرها هذا المحظوظ ، جعلني اقرر بكل ارتياح ان انصهارها فيه (شاعرها) يجعل منهما جسدا واحدا بروحين تتنازعهما طاقة الحلول الصوفي بين المعتكفين في محاريب العشق والانتشاء والهيام والسكر .
نصها النثري هذا شاهق كجبل إيدوغ الأشم .
وهذا الابداع ليس عصيا على شاعرات واديبات عنابة .
بقلم الاديب والناقد عبد المجيد قنز
الجزائر