القناعة كنز لا يفنى
القصة السابعة من مجموعتي " من قصص الحكيم " أرجو أن تنال إعجابكم.
كان في قديم الزمان ملك حازم وعادل يحكم مملكة كبيرة تظلم أقطار، تمتد من الشرق إلى الغرب، ولقد شهد له كذلك بأنه ذكي وحكيم؛ فكان يجالس العلماء، الفلاسفة و الحكماء من شعبه؛ ويستضيف أحيانا فقهاء وشعراء من بلدان أخرى ، يتبادلون الحديث في أمور الدنيا وكذلك تبادل الآراء في تسيير شؤون العباد والبلاد.
وفي يوم من الأيام، دخل غريب المدينة؛ ذهب مباشرة إلى السوق حيث زحمة الناس من تجار و متسوقين. وكان في ذلك الزمان؛ منابر يتوسط الشاعر أو المتحدث بكل الأخبار والفنون الناس ويلقى ما يحلو له من شعر أو نثر، فمنهم من يمدح الملك الحكيم بغية التقرب منه ، فيغدق عليه من كرمه مالا أو يقربه من قصره ليستمع إليه أو يبادله الحديث.
وقف الرجل الغريب وجعل ينتقد ويهجي الملك في أبيات من الشعر. ومن الآذان الصاغية في السوق من ينقل كل ما يقال في المنابر والأسواق؛ فوصلت أخبار إلى الملك بأن الرجل قد وصفه بالجهل والتجبر، ولا يولي للعلم ولا لعالم اهتماما ولا تقديرا، ويتشبث بالحكم والسلطة .
أمر الملك بإحضاره، ولما حضر الغريب بين يديه، قال له : "مالك يا رجل هاجمتني وهجيتني واتهمتني بكل الصفات السيئة بين الناس..فما خطبك؟ "
سكت الرجل قليلا وهو يرتعش من الخوف، وكأنه يرى رأسه يفصل عن جسده في أي لحظة؛ فقال ولسانه تتلعثم تارة:" إني أعلم أن الملوك كلهم على وجه الأرض متشابهون في بعض الصفات؛ فأنتم متسلطون، متهورون جائرون. فضحك الملك وقال له: "أنت اليوم في ضيافتي؛ فكل و استرح وإن شئت نم هنيئا. أما أنا، ولكي أبرهن لك على أني أختلف عن كل
الملوك الذين تعرفهم من قبل؛ فسوف أقترح عليك أن أكون بدوري ضيفك غدا وفي نفس هذا القصر الذي سيصبح قصرك بكل الخدم و الحشم و الحرس.. وكلهم رهن إشارتك. "
تعجب الرجل الغريب لأمر هذا الملك واحتار فيما سمع منه، لكنه قبل الاقتراح حتى يدرك الحقيقة.فأكل ونام واستراح في جناحه.
وفي الصباح، جاءه الخدم ليقدموا له فطور الصباح و هم ينادونه و يبجلونه.. يا جلالة الملك. لبسوه لبس الملوك من حرير ووضعوا له تاجا على رأسه..ثم أتاه الحاجب ليرافقه ويجلسه على كرسي عرشه.. حياه الحضور من وزراء ووجهاء؛ وجلس ساكتا مندهشا.
دخل عليه الملك الأصلي وحياه قائلا : " السلام عليكم يا مولاي ..إني مسرور بوجودك على عرش المملكة، وأنا رهن إشارتك منذ هذه اللحظة. " ثم جلس. وبينما هو يستمع إلى ما يسرده عليه الوزير من أمور الرعية، ومشاكل الناس، لفت نظره سيف كبير يتدلى فوق رأسه، معلق بشعرة ذيل خيل لا يكاد يبصرها؛ فقام في فزع يسألهم :
" ما هذا السيف الذي تضعونه فوق رأسي؟ " لن أجلس ثانية على كرسي العرش.. فقد تقطع الشعرة في أي لحظة فأقتل. "
ضحك الملك الأصلي الحكيم وقال له: "هكذا هي الحياة يا رجل .. فكل ميسر لما خلق له. ثم تابع يقول: " إني أضع السيف فوق رأسي لأراه دائما؛ فلا أكاد أجلس على الكرسي ، حتى أسارع لرعاية شؤون الناس. فلا أجلس ولكن أمضي إلى مقاصد ألتقي فيها من أستمع إليهم، أفضل بينهم، وأستشير أحكمهم .. وهكذا أسير بنفسي شؤون الرعية، فأعدل قدر ما استطعت. "
تعجب الرجل الغريب من أمر هذا الملك، اعتذر منه و استأذنه في أن يلقي على مسمعه قصيدة يمدحه فيها على حسن تدبير حكمه وعدله، وعاهد نفسه أن يمضي في كل بقاع الأرض ليقص على الناس قصة أعدل الملوك في ذاك الزمان.
والحكمة هنا هي أننا أحيانا نتطلع إلى ما في يد غيرنا، ربما أمكانهم و مرتبتهم أو ما يكسبون، لكن من دون أن نقيس ما قد يحدق بهم من متاعب وأخطار. فلا نقدر على صعاب لا نتحملها. فلنقنع بما رزقنا الله وبما قسمه علينا في هذه الحياة. إن القناعة كنز لا يفنى.
عمر لوزري
وفي يوم من الأيام، دخل غريب المدينة؛ ذهب مباشرة إلى السوق حيث زحمة الناس من تجار و متسوقين. وكان في ذلك الزمان؛ منابر يتوسط الشاعر أو المتحدث بكل الأخبار والفنون الناس ويلقى ما يحلو له من شعر أو نثر، فمنهم من يمدح الملك الحكيم بغية التقرب منه ، فيغدق عليه من كرمه مالا أو يقربه من قصره ليستمع إليه أو يبادله الحديث.
وقف الرجل الغريب وجعل ينتقد ويهجي الملك في أبيات من الشعر. ومن الآذان الصاغية في السوق من ينقل كل ما يقال في المنابر والأسواق؛ فوصلت أخبار إلى الملك بأن الرجل قد وصفه بالجهل والتجبر، ولا يولي للعلم ولا لعالم اهتماما ولا تقديرا، ويتشبث بالحكم والسلطة .
أمر الملك بإحضاره، ولما حضر الغريب بين يديه، قال له : "مالك يا رجل هاجمتني وهجيتني واتهمتني بكل الصفات السيئة بين الناس..فما خطبك؟ "
سكت الرجل قليلا وهو يرتعش من الخوف، وكأنه يرى رأسه يفصل عن جسده في أي لحظة؛ فقال ولسانه تتلعثم تارة:" إني أعلم أن الملوك كلهم على وجه الأرض متشابهون في بعض الصفات؛ فأنتم متسلطون، متهورون جائرون. فضحك الملك وقال له: "أنت اليوم في ضيافتي؛ فكل و استرح وإن شئت نم هنيئا. أما أنا، ولكي أبرهن لك على أني أختلف عن كل
الملوك الذين تعرفهم من قبل؛ فسوف أقترح عليك أن أكون بدوري ضيفك غدا وفي نفس هذا القصر الذي سيصبح قصرك بكل الخدم و الحشم و الحرس.. وكلهم رهن إشارتك. "
تعجب الرجل الغريب لأمر هذا الملك واحتار فيما سمع منه، لكنه قبل الاقتراح حتى يدرك الحقيقة.فأكل ونام واستراح في جناحه.
وفي الصباح، جاءه الخدم ليقدموا له فطور الصباح و هم ينادونه و يبجلونه.. يا جلالة الملك. لبسوه لبس الملوك من حرير ووضعوا له تاجا على رأسه..ثم أتاه الحاجب ليرافقه ويجلسه على كرسي عرشه.. حياه الحضور من وزراء ووجهاء؛ وجلس ساكتا مندهشا.
دخل عليه الملك الأصلي وحياه قائلا : " السلام عليكم يا مولاي ..إني مسرور بوجودك على عرش المملكة، وأنا رهن إشارتك منذ هذه اللحظة. " ثم جلس. وبينما هو يستمع إلى ما يسرده عليه الوزير من أمور الرعية، ومشاكل الناس، لفت نظره سيف كبير يتدلى فوق رأسه، معلق بشعرة ذيل خيل لا يكاد يبصرها؛ فقام في فزع يسألهم :
" ما هذا السيف الذي تضعونه فوق رأسي؟ " لن أجلس ثانية على كرسي العرش.. فقد تقطع الشعرة في أي لحظة فأقتل. "
ضحك الملك الأصلي الحكيم وقال له: "هكذا هي الحياة يا رجل .. فكل ميسر لما خلق له. ثم تابع يقول: " إني أضع السيف فوق رأسي لأراه دائما؛ فلا أكاد أجلس على الكرسي ، حتى أسارع لرعاية شؤون الناس. فلا أجلس ولكن أمضي إلى مقاصد ألتقي فيها من أستمع إليهم، أفضل بينهم، وأستشير أحكمهم .. وهكذا أسير بنفسي شؤون الرعية، فأعدل قدر ما استطعت. "
تعجب الرجل الغريب من أمر هذا الملك، اعتذر منه و استأذنه في أن يلقي على مسمعه قصيدة يمدحه فيها على حسن تدبير حكمه وعدله، وعاهد نفسه أن يمضي في كل بقاع الأرض ليقص على الناس قصة أعدل الملوك في ذاك الزمان.
والحكمة هنا هي أننا أحيانا نتطلع إلى ما في يد غيرنا، ربما أمكانهم و مرتبتهم أو ما يكسبون، لكن من دون أن نقيس ما قد يحدق بهم من متاعب وأخطار. فلا نقدر على صعاب لا نتحملها. فلنقنع بما رزقنا الله وبما قسمه علينا في هذه الحياة. إن القناعة كنز لا يفنى.
عمر لوزري