القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الجرة المشقوقةجزء 2. ق، ق" من مجموعة الحكيم" للشاعر و القاص : عمر لوزري

الجرة المكسورةا

كانت في قديم الزمان بلدة صغيرة و جميلة في أعالي الجبال. تمتاز بطبيعتها الخلابة و خاصة بسكانها الطيبين و المهرة. إنهم يتقنون صناعات تقليدية عديدة، منها نسيج الزرابي و المفروشات ، الملابس كالعباءات و الجلابيب و البرانس. ومنهم كذلك من يتفنن في صناعة الخزف و جميع الأشياء الجميلة و التحف المصنوعة من طين البلدة كالأواني المنزلية ، المزهريات الأباريق و الجرات.
كان أهل البلدة يستعملون كثيرا هذه الأواني و يفضلون سقاية الماء بجرات جميلة و مزخرفة، و يشربون الماء و اللبن في أباريق من الفخار ذات الأشكال و الألوان المتنوعة و المتميزة.
كان حاكم هذه البلدة يهوى كثيرا جمع أنواع و أشكال عديدة من الجرات و الأباريق و المزهريات الصغيرة منها و الكبيرة. فكان يقتنيها من كبار الصناع و المبدعين، يختار أحسنها و أجودها و أغلاها. يستعمل منها في سقاية الماء و الأخرى يزين بها قصره الجميل.
و ذات مرة، بينما هي تنظف الغبار عن الأواني و الجرات الجميلة و الباهظة الثمن، و التي تمثل العشر جرات المفضلة و المحببة عند الحاكم من بين الكثير من التحف؛ أسقطت الخادمة المسكينة جرة فتطايرت إلى عدة قطع و شقوف بدون قصد. لكن الحاكم ثار غضبا و حكم عليها بالإعدام.
سمع رجل حكيم في البلدة بالقصة المؤسفة، فحز في نفسه أن تقتل الخادمة بسبب كسر جرة. جاء يطلب الحاكم ويعرض عليه الخدمة فقال له¬: يا سيدي الحاكم.. إني أمتلك سرا ورثته عن أبي يمكنني من إصلاح الجرة المكسورة من غير أن أترك فيها أي أثر أو شقوق، ولكن بشرط أن أرى الجرات الأخرى التي هي في القصر حتى أستلهم منها فنا . قبل الحاكم عرضه وأمر بإدخاله فناء القصر لكي يتمكن من معاينة التسعة جرات الباقية. كانت كلها موضوعة على قماش مزركش جميل من نسيج البلدة الحريري. أمسك الرجل الحكيم بطرف القماش وجره بقوة حتى سقطت كل الجرات؛ الواحدة تلو الأخرى وتطايرت قطعا وشقوقا صغيرة.
أمر الحاكم بالقبض عليه وقاده الحراس بين يديه. لماذا فعلت هذا أيها الرجل؟ يسأله الحاكم في غضب؛ فيجيب الرجل الحكيم: إن هذه التسعة جرات الباقية كانت ستتسبب في قتل تسعة من البشر.. ففضلت أن تقتلني أنا وكفى. فكر الحاكم في الأمر مليا، ففهم من كلام الرجل الحكيم أن كل الجرات الجميلة و الغالية في العالم لا تساوي حياة إنسان واحد. وصفح عن الحكيم و أطلق سراح الخادمة و سامحها .
لقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم :" من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا. "
خلق الله الإنسان ونفخ فيه الروح، كرمه على وجه الأرض، وحرم قتل النفس من غير حق.

القاص :عمرلوزري

مجلة النبراس