26 - جذور ثقافية "سيرة ذاتية"
في العام [1975] انتقلت والأهل من مسكننا في حي سليمان الحلبي إلى مسكن جديد في حي السبيل وكانت تلك نقطة تحول كبيرة في حياتي الثقافية إذ المسكن الجديد كان قريبا من جامع الروضة الذي يعد في ذلكم التاريخ معلما ثقافيا بارزا بشيخه العلامة الشيخ طاهر خير الله ـ يرحمه الله ـ الذي كان بحق قامة علمية وكانت له مكانته العظمى في قلبي وعند أهل الحي، وكنت أواظب على حلقات درسه أنا وكوكبه من الشباب المتحمس للدين ضمن حدود الالتزام الواعي الذي خلا من غلو أو تشدد
إننا إذا استثنينا في ذلكم التاريخ إذاعة [مونت كارلو] و [ لندن] فإن تأثير الإعلام إذ ذاك كان في مجتمعاتنا عموما ضعيفا ومحدودا ـ ومع ذلك فقد كان لتلك الإذاعات دورها المشؤم في توجيه الرأي العام في المجتمع العربي الوجهة الطائفية البغيضة ـ ولذا فإن جيل الشباب في ذلك الوقت كان لايعرف التطرف أوالغلو ـ إنما تولد هذان بفعل انتشار الفضائيات التي لاتفتر تؤجج نار الحقد بين جميع الملل والنحل بدعوى نقل الخبر وحسب! ـ علما أن نقل الخبر في حد ذاته يعد نوعا من أنواع إثارة الفتن وبعث الشحناء بين الناس وعلى الأخص حين تكون عملية صياغة الخبر بطريقة النفخ في الكير! ـنعم لقد كانت تلك الكوكبة من الشباب الذي يتردد على جامع الروضة في ذلك الوقت آية في الأدب الأخلاق الكريمة الفاضلة،ناهيك عن سلامة طويتهم و بعدهم عن السوء و الفساد و التطرف.لقد بدأ ينتابني الشعور منذ التقيت أولئك الشباب أنهم جميعا أفضل مني ثقافة وعلما وكريم أخلاق ! وكان علي أن أبادر إلى اللحاق بهم وأن أجاريهم بما هم عليه من سمو وتفوق في الدراسة إذ كان أغلبهم على تفوق في الدراسة، عداك عن بداهتهم و نباهتهم و كياستهم و أدبهم! فيما كنت أنا الكسول الخمول الخجول الذي يخشى ظله و يتعثر به!لكنني سرعان ما بدأت أجاريهم و أسبقهم في بعض الأحيان، إذ رأيتني أكب على القراءة ذات التخصص و الثقافة الجادة بعيدا عن الثقافة ذات المحتوى المبتذل السخيف الذي يسوق الناس نحو ترف و بلادة و ترهل وبلاهة!لكن الوضع الاجتماعي و السياسي آنذاك في عموم الوطن العربي كان يسير من سوء إلى ما هو أسوأ بفعل البرامج الإذاعية و الإخبارية التي تعمد بأساليب مختلفة إلى تأزيم العلاقة بين السلطات الحاكمة و الناس الذين بزغت فيهم بفعل فاعل فكرة الحاكم الجائر